تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد ذكر انشقاق القمر علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وجُبير بن مطعم، وابن عمر،وابن عباس، أنس بن مالك، وخطب الناس حذيفة بالمدائن وذكر فيه انشقاق القمر، وكانوا يقولون: خمس قد مضين: الرُّوم، والقمر، والدُّخان، والبَطْشه، والِّلزام، يتذاكرون هذا بينهم - رحمهم الله -.

وقد ذكرنا ما في العقل من حجَّة في ذلك، وهي تُلزِّم كل عاقلٍ بَلَغَتْهُ الدَّعوة سواء كان من المسلمين أو من غيرهم، وفي ذلك أتمّ كفايةٍ، ثمَّ ذكرنا تذاكر الصَّحابة بذلك وهي دلاله أُخرى، إذ لا يجوز أن يقول عاقلٌ بحضرة جماعةٍ وقد أقبل على من يحدِّثه: قد كنَّا في وقت كذا حتَّى حدث كذا وكذا - وهو يستشهد بالّذي حدث بحضرتهم ويدَّعي عليهم وما عندهم علمٌ، فيمسكون عن تكذيبهم والرَّد عليه، ثمَّ ذكرنا الإجماع السَّابق من الصَّحابة ليتأكَّد ذلك على كلِّ من كان من أهل الصَّلاة ".

فهذه الُّنقول عمن رووا حديث انشقاق القمر تبيِّن أنَّ الحديث قد يتواتر بهم، وهذه الرُّدود لبعض شيوخ الاعتزال تبيِّن أنَّ الأمر واردٌ ومقبولٌ عقلاً ونقلاً، وفي هذا ردٌّ على النَّظَّام ومن وافقه من شيوخ الاعتزال، ومع ذلك فإنَّا نجد في عصرنا هذا من أنكر هذه المعجزة، وأخذ يُورد عليها إشكالاتٍ فلكِيَّةً، وحديثيَّةً، وأُصوليَّةً، كما فعل محمد رشيد رضا، فضعَّف الحديث وردَّه متناً، وأورد عليه الإشكالات وقال بعد ذلك: (1) " فلو وقع لتوفَّرت الدَّواعي على نقله بالتَّواتر لشدَّة غرابته عند جميع النَّاس في جميع البلاد، ومن جميع الأُمم ولو كان وقوعه آيةً ومعجزةً لإثبات نبوَّة النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم -، لكان جميع من شاهدها من أصحاب النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - نقلها، وأكثر الاستدلال والاحتجاج بها، حتّى كان يكون من نقلها في رواية الصَّحيحين قدماء الصَّحابة الّذين كانوا لا يكادون يُفارقون النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - ولا سيَّما في مثل هذه المواقف، كالخُلفاء وسائر المبشَّرين بالجنَّة ".

ثمَّ استدل بانتظام حركة الكواكب وعدم مخالفتها لنظام الكون العام، وانشقاق القمر ما هو إلاّ مخالفةٌ لذلك النِّظام!!!.

وقال المَراغِيُّ أيضاً (2): " إنَّ انشقاق القمر من الأحداث الكونيَّة الهامَّة التي لوحصلت لرآها من النَّاس من لا يُحصى كثرةً من العرب وغيرهم، ويبلغ حدَّاً لا يمكِّن أحداً ان ينكره وصار من المحسوسات الّتي لا تدفع،ولصار من المعجزات التي لا يسع مسلماً ولا غيره إنكاراً".

والنُّقول عن أصحاب هذه المدرسه فيما يخصُّ هذه المسأله كثيرة، ولسوف أُناقشهم في بعض الآراء في الباب الرَّابع فيما يخصُّ التَّعارض.

أمَّا ما أوردوه من إشكالاتٍ فإنِّي أُحيلهم على ما كتبه بعض رؤوس المعتزلة كالجُشَميِّ، والقاضي عبد الجبار وغيرهما.

ومن أمثلة توهُّم تعارض الحديث مع نواميس الكون أيضاً ما رواه البُخاريُّ (1) عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -: " غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لاَ يَتْبَعُنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امرأةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أنْ يَبْنِيَ بِهَا وَلمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلا أحدٌ بَنَى بُيُوتَاً وَلَمْ يَرْفَع سُقُوفَهَا، وَلا أحَدٌ اشْتَرى غَنَمَاً أو خَلِفاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا، فَدَنا مِنَ القَرْيَةِ صَلاةَ العَصْرِ أو قَرِيْبَاً مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ للشَّمْسِ إنَّكِ مَأمُورَةٌ وَأنَا مَأمُورٌ، اللّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ الله عَلَيْهِ ..... ".

فهذا الحديث يدلَّ على اختلال نظام الشَّمس التي تسير بانتظامٍ ليتعاقب الّليل والنَّهار، وهذا الحَبس من شأنه أن يُحدث اضطراباً في سيرها ينعكس على الّليل والنَّهار، والفُصول ومدَّة العام وهكذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير