وهو ما تكون دلالة القرآن فيه صريحةً في مسألةٍ ما، وتُعارِضُها دلالة الحديث الصَّريحة كذلك.
مثال ذلك: ما أورده ابن قتيبة (1) عن الطَّاعنين أنَّهم قالوا: (رويتم عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - أنَّه قال: " صِلَةُ الرَّحْمِ تَزِيْدُ فِي العُمْرِ" (2)، والله تبارك وتعالى يقول
1) تأويل مختلف الحديث: 136.
(2) أخرجه بهذا الَّلفظ: القُضَاعيُّ في " مسند الشهاب ": 1/ 93 طبعة مؤسسة الرسالة - بيروت، ط الثانية 1407 هـ / 1986 م تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، وإسناده ضعيفٌ، ولكن للحديث شواهد يصحُّ بها
: {فِإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُوُن} (1) فكيف تزيد صِلة الرَّحم في أجلٍ لا يُتأخَّر عنه ولا يُتَقدَّم)؟
فالنَّاظر يجد ما اعترض به أمراً وارداً، والتَّدافع يكاد يكون أمراً واقعاً، ولكن بنظرةٍ فاحصةٍ، وبجمع طرق روايات الحديث، واستقصاء ألفاظه نتوصَّل إلى حقيقتين:
الأولى: إنَّه لا يمكن ترجيح الآية على الحديث هنا لأن أحاديث زيادة العمر تصل إلى درجة التَّواتر، فالآية والحديث كلاهما متواترٌ (2).
الثَّانية: -يجب المصير إلى الجمع، ومن خلال النَّظر في أجوبة العلماء عن هذا الحديث يمكن أن تحمل أقوالهم في الحديث على أمرين.
1 - الزِّيادة الحقيقيَّة، وهذا ما ذهب إليه عددٌ من العلماء منهم: ابن قتيبة (3)، وابن فُورَك (4)، وابن حجرٍ العَسْقَلانيُّ فقال (5): (وثانيها: إنَّ الزيادة على حقيقتها، وذلك بالنِّسبة إلى علم الملك المُوكَّل بالعمر، وأمَّا الأوّل الّذي دلّت عليه الآية فبالنِّسبة إلى علم الله تعالى، كأن يُقال للملك مثلاً: إنَّ عمر فلانٍ مِئة سنةٍ مثلاً إن وصل رحمه، وستون إن قطعها، وقد سبق في علم الله أنَّه يصل أو يقطع، فالّذي في علم الله لا يتقدَّم ولا يتأخَّر، والّذي في علم الملك هو الّذي يمكن فيه الزِّيادة والنَّقص، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ
من حديث أنس: " مَنْ أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، وَيُنْسَأ لَهُ في أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " وقد أخرجه البُخاريُّ،البيوع / 13 من أحب البسط في الرزق ": 3/ 8، و7/ 72، وفي " الأدب المفرد "ص 12. ومُسلمٌ،البر والصلة /صلة الرحم: 4/ 1982 رقم (2557) وأبو= = داود،الزكاة /صلة الرحم: 2/ 132 رقم (1693)، والنَّسائي في" التفسير": 2/ 203 رقم (449)، وابن المبارك في " البر والصلة ": 165 رقم (200) وأحمد في" المسند":3/ 246،266، ووكيع في " الزهد ": 3/ 708 رقم (405)، وهناد في " الزهد ": 2/ 490 رقم (1006)، وابن أبي الدُّنيا في "مكارم الأخلاق ": ص 82 رقم (244) تحقيق:مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن - القاهرة، وابن شاهين في " الترغيب ": 81 مخطوط، والبيهقي في " شعب الايمان ": 13/ 556 وغيرهم ..
(1) سورة الأعراف: 34، والنمل: 61، و سورة يونس: 49.
(2) وقد جمعت طرق الحديث في رسالةٍ متوسِّطةٍ سميتها ":"جمع جُهود الحفاظ النَّقلة بتواتر أحاديث زيادة العُمر بالبرِّ والصِّلة".
(3) تأويل مختلف الحديث: 137.
(4) انظر: مشكل الحديث: 327.
(5) فتح الباري: 10/ 416.
وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ} (6) فالمحو والإثبات بالنِّسبة لما في علم الملك، وما في أمِّ الكتاب هو الذي في علم الله- تعالى- فلا محو فيه ألبته).
فحَمْلُ الزِّيادة على الحقيقة أمرٌ يقبله العقل، ويؤيِّده النَّقل، لما في هذا القول من وجاهةٍ، واحتمال للصَّواب، وذلك بالتَّفريق بين علم الله الأزليِّ، وما هو معروفٌ عند الملَك المُوكَّل بالأجل والرِّزق وما إلى غير ذلك.
وهذا التَّفسير اختاره الغُماريُّ (1) واقتصر عليه فقال (2): (للمسلم عُمْران؛ عمرٌ محدَّدٌ عند الله لا يُعلم غيره، وعمرٌ مُردَّدٌ بين الزِّيادة والنَّقص عند ملَك الموت، يقال له: عمر فلانٍ سبعون سنةً إن تصدَّق أو برَّ والديه، وخمسون سنةً إن لم يفعل ذلك، وهذا هو المُراد في الحديث).
¥