2 - الزِّيادة المجازيَّة، أي إنَّ هذه الزِّيادة كنايةٌ عن البَركة في العُمر بسبب التَّوفيق إلى الطَّاعة وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة (3)، وفي " نوادر الأُصول " (4): " إنَّ العبدَ إذا عُمِر بالإيمانِ َوبِحياةِ القلب فذلك كثيرٌ وإن قلَّ مدته، لأنَّ القِصَر من العُمْر إذا احتشى من الإيمان أربى على الكثير لأنَّ المتبقي من العمر العبودية لله- تعالى-، كي يصير عند الله وجيهاً".
أو السَّعة والزِّيادة في الرِّزق وعافية البدن، وقد قيل: " الفقر هو الموت الأكبر" (5) وانفرد ابن فُورَك بتفسيرٍ للزِّيادة فقال (6): " إنَّ معنى الزِّيادة في العمر: نفي الآفات عنهم والزِّيادة في أفهامهم وعقولهم وبصائرهم ".
(6) سورة الرعد: 39، وقال ابن كثير في تفسير الآية: إنَّ الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها، ويُثبت منها ما يشاء، وقد يُستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد ... عن ثوبان قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -:"إنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَم الرِّزقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبهُ، ولا يَرُدُّ القدر إلاّ الدُّعاء، ولا يزيد في العمر إلاّ البِرَّ ... " وثبت في الحديث الصَّحيح: أنَّ صلة الرَّحم تزيد في العمر." أُنظر: تفسير القرآن العظيم: 2/ 519.
(1) هو الشيخ عبدالله بن محمد بن الصِّدِّيق الغُماري، من المعاصرين، توفي سنة 1413هـ.
(2) انظر: الأحاديث المختارة في الأخلاق والآداب، والمسمَّى الغرائب والوِحْدان: 78، طبع مكتبة القاهرة - القاهرة / الطبعة الأولى 1390 هـ /1970 م.
(3) انظر: ابن حجر - فتح الباري: 10/ 416.
(4) انظر: الحكيم التِّرمِذي -0 وادر الأصول 284، دار صادر - بيروت
(5) انظر: ابن قتيبة - تأويل مختلف الحديث: 136، وابن فورك - مشكل الحديث وبيانه: 326
(6) انظر: مشكل الحديث وبيانه: 326.
وهناك فهمٌ آخر للزِّيادة يمكن استنتاجه من جمع ألفاظ الحديث، والمقارنة بينها، وهو أنَّ زيادة العمر هي بقاء أثر الواصل بعد موته، وهذا مأخوذٌ من بعض ألفاظ الحديث مثل (7):" مَنْ سَرَّه أن يُبسَط لَه في رِزقه، ويُنْسأُ لَهُ في أثره فَليَصِل رَحِمَهُ".
وهذا الفهم نقله صاحب "فيض القدير" (1)، عن الزَّمَخْشريِّ أنَّه قال: معناه أنَّ الله يُبقي أثر واصل الرَّحم في الدُّنيا طويلاً، فلا يضمحلّ سريعاً كما يضمحلُّ أثر قاطع الرَّحم. فحُمِل الأجل هنا على الأثر، وهو تأويلٌ سائغٌ، وتفسيرٌ محتملٌ.
وهناك وجهٌ آخر معناه قريبٌ من التَّأويل الأخير، ورد في حديثٍ ضعيفٍ أخرجه الطَّبرانيُّ في " المعجم الأوسط (2) "، عن أبي الدَّرداء -رضي الله عنه - قال:"ذُكر عند رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم - من وصل رحمه أُنْسِىءَ له في أجله، فقال: "إنَّه لَيْس زيادة فِي عُمْره، قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} ولكِنَّ الرَّجلَ تَكُون لَهُ الذُّرِيَّة الصَّالحة يَدْعُونَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ".
ففي التَّفسير السَّابق: جَعَل الزِّيادة في العمر زيادةً في أثره وذِكْرِهِ الطَّيِّب، وفي الثَّاني، أنَّ أبْنَاءَ المرء الصَّالحين يدعون له، فكأنَّه بقيَ وعَمِل وازداد من الحسنات.
وبالجملة فهذه التَّفسيرات والتَّأويلات كلُّها مُحتملةٌ، فلا ينبغي أن يُردَّ الحديث لشُبهةٍ، أو استشكالٍ، فالنَّقص من الحديث بِرَدِّهِ أو تضعيف ما ليس بضعيفٍ، كالزِّيادة أو تصويب ما ليس بصحيحٍ، وكلاهما غير جائزٍ،بل قد يصل إلى درجة الكذب على رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-. وغير خافٍ الوعيد الشَّديد على من هذه حالُه، وهذا عمله.
وقد يكون التَّعارض صريحاً بين نصين، لكنَّه لفظيٌّ، أي أن تكون لفظةٌ محدودةٌ وردت في نصِّ حديثٍ أو آيةٍ وعلى هذه الّلفظة مدار النَّهي أو الأمر، وتأتي هذه الّلفظة ذاتها
(7) أخرجه البُخاريُّ في " صحيحه ": 7/ 72 وفي الأدب المفرد: 12، ومُسلمٌ في " صحيحه ": 4/ 1982، وأبو داود في " السنن ": 2/ 132 - 133، والنسائي في الكبرى، 1/ 397، وأحمد في " المسند ": 3/ 156،247،266، ووكيع في " الزهد ": 3/ 708، وأبويَعْلى في " المسند " 3/ 444، رقم (3597). والطَّبراني في " الأوسط ": 1/ 186، 3/ 207.
¥