تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيُفهم من هذا الحديث جواز المشي بين القُبور بالنِّعال، وإلا لم يقل: "ليَسْمع خَفْقَ نِعالِهم". وهذا ما فهمه غيُر واحدٍ من العلماء من هذا الحديث ومنهم الطَّحاويُّ (1) إذ قال قبل روايته لهذا الحديث: "وقد رُوي عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ما يدلُّ على إباحة المشي بين القُبور بالنِّعال، ثُمَّ ساق هذا الحديث.

ولإزالة هذا التَّعارض الوارد بين الحديثين لجا بعض العلماء إلى الجمع بينهما وذهب آخرون إلى التَّرجيح.

أمَّا الّذين ذهبوا إلى الجمع فقد قال بعضهم: إن النَّهي الّذي كان في حديث بشير - أي الحديث الأول - للنجاسة التي كانت في النعلين لئلا ينجس القبور، كما قد نهى أن يتغوط عليها أو يبال. والى هذا الرأي ذهب الطحاوي (2) والبيهقي (3)، وأبو عبيد (4) وذكره النووي (5) كأحد أوجه الجمع بين الحديثين.

(3) أخرجه أبو داود، كتاب الجنائز، باب المشي في النعل بين القبور:3/ 217، والنسائي، كتاب الجنائز:4/ 96، وابن ماجه، كتاب الجنائز:_1/ 499 - 500، وأحمد في "المسند":5/ 83،84، والطَّحاوي في "شرح معاني الآثار":1/ 510، والطَّبراني في "المعجم الكبير":2/ 43، والبَيْهقي في "السنن الكبرى":4/ 80.

(4) الصحيح، الجنائز/ باب رقم 67: 2/ 92.

(5) الصحيح، كتاب الجنة وصفة نعيمها:4/ 2201 رقم (71)،كما رواه أبو داود،كتاب الجنائز:3/ 217، وأحمد في "المسند": 3/ 233، والبَيْهقي في "السنن الكبرى":4/ 80 والطَّحاوي في "شرح معاني الآثار":1/ 510 من حديث أبي هُريرة.

(1) شرح معاني الآثار: 1/ 510.

(2) شرح معاني الآثار: 1/ 510.

(3) السنن الكبرى: 4/ 80.

(4) غريب الحديث: 1/ 288.

(5) المجموع شرح المهذب: 5/ 313.

والتسليم لهذا الرأي فيه نظر اذ يعوزه النقل، ولو كان في النعل قذر أو نجاسة لنقل هذا في احدى روايات الحديث، ولهذا شن ابن حزم بأسلوبه المعهود هجوما على أصحاب هذا الرأي فقال (6): “وقال بعض من لا يبالي بما أطلق به لسانه فقال: لعل تينك النعلين كان فيهما قذر.

قال أبو محمد - أي ابن حزم - من قطع بهذا فقد كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم، اذ قوله ما لم يقل، ومن لم يقطع بذلك فقد حكم بالظن، وقفاما لا علم له به”.

قلت: فاني وان لم أوافق ابن حزم على عباراته، الا اني أرضى استنتاجه.

وذهب آخرون الى أنه - صلى الله عليه وسلم - وانما نهى عن النعال السبتية - وهي المدبوغة بالقرظ - لما فيها من الخيلاء، قال الخطابي (7): “وذلك أن نعال السبت من لباس أهل الترفه والتنعم، قال الشاعر يمدح رجلا: ويحذي نعال السبت ليس بتوأم (8).

وقال أبو عبيد (9): وانما ذكرت السبتية لأن أكثرهم في الجاهلية كان يلبسها غير مدبوغة، الا أهل السعة منهم والشرف.

وهناك رأيٌ آخر في الجمع هو لابن حزم (1)، اذ أنه رأى أن النهي عن المشي بين القبور مختص بالنعال السبتية، لأنها سبتية دون أن يعلل جريا منه على حمل المراد على ظاهر اللفظ، فقال بعد رواية حديث “ان العبد اذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه انه ليسمع قرع نعالهم” فهذا اخبار منه - عليه السلام - بما يكون بعده، وأن الناس من المسلمين سيلبسون النعال في مدامن الموتى الى يوم القيامة على عموم انذاره - عليه السلام - بذلك، ولم ينه عنه، والأخبار لا تنسخ أصلا، فصح اباحة لباس النعال في المقابر، ووجب استثناء السبتية منها، لنصه - عليه السلام - عليها. والى هذا الراي الأخير مال القاضي أبو يعلى حيث قال (2): “ذلك مختص بالنعال السبتية لا يتعداها الى غيرها، لأن الحكم تعبدي غير معلل، فلا يتعدى مورد النص.

(6) المحلي 3/ 137، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، دار الفكر - بيروت.

(7) معالم السنن: 4/ 343

(8) هذا البيت لعنترى، وهو عجز لبيت صدره: بطل كان تبابه في سرحة، انظر: ديوانه: ص 17، تحقيق: فوزي عطوي، ودار المعرفة - بيروت، ط الأولى 1388هـ/1968م) وقال النحاس في شرح القصائد التشع المشهورات: 2/ 519 (تحقيق: أحمد خطاب، دار الحرية - بغداد 1393هـ/1973م) نعال السبت، قال الاصمعي: هي المدبوغة، وقال أبو عمرو بن العلاء: هي المدبوغة بالقرظ، وانما قصدها لأن الملوك كانت تلبسها.

(9) غريب الحديث: 1/ 288.

(1) المحلي: 5/ 137.

(2) انظر: تهذيب سنن أبي داود - لابن قيم الجوزية: 4/ 345.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير