تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِي النُّذُر} (2) وهذا لا يقال فيما لم يقع ولم يكن فتأمَّل هذا التَّقريع وهذا التَّعنيف لتعلم أنَّه أمرٌ قد كان ولا يسوغ أن يقال في أمرٍ لم يكن ولم يقع هذا القول.

وأيضاً فإنَّ ما يقع في القيامة وعند السَّاعة لا يكون حجَّةً على المكلَّفين ولا يعنَّفون في ترك النَّظر والتَّأمُّل له، فإنَّ التَّكليف حينئذٍ زائلٌ مرتفعٌ.

فأمَّا قول النَّظَّام: فلِمَ لا يشاهد هذه الآية كلُّ النَّاس فليس هذا بلازمٍ لأنَّ النَّاس لم يكونوا من هذا على ميعادٍ، وإنَّما هو شيءٌ حدث ليلاً، وما كان عندهم خبرٌ بأنَّه سيحدث، وسيكون في وقت كذا فينظرونه، وإذا كان كذلك فقد بطل ما ظنَّه، يزيدك بياناً أنَّ القمر قد ينكشف كلُّه فلا يرى ذلك من النَّاس إلا الواحد بعد الواحد والنَّفر اليسير لقومهم، فكيف بانشقاق القمر الذي انشقَّ ثمَّ التأم من ساعته بعد أن رآه أُولئك القوم الذين طلبوه.

وأيضاً فقد يجوز أن يحجبه الله -عزّوجلَّ- لمصالح العباد إلاّ عن أُولئك القوم، لأنَّه قد يجوز أن يكون في بعض البلاد من المكذِّبين والمُحتالين في تلك السَّاعه من لو رأى ذلك لقال: إنَّما انشقَّ شهادة لي على صدقي ولا يكون ما ذكره النَّظَّام قد جاء من هذا الوجه أيضاً، وبطل ما توهَّمه.

ومدار الأمر أن يكون هذا أمراً قد كان، وقد ذكرنا الدَّلاله على كونه بلا عذر لمن شكَّ فيه.

ومن الدَّلاله أيضاً أنَّ ذلك قد كان: أنَّ الصَّحابة بعد رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قد تذاكروا فما فيهم من شكَّ ولا ارتاب ولا توقَّف بل وقع إجماعٌ منهم على كونه ووقوعه، فلا معتبر بمن جاء بعدهم ممن خالفهم.

وقد ذكر انشقاق القمر علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وجُبير بن مطعم، وابن عمر،وابن عباس، أنس بن مالك، وخطب الناس حذيفة بالمدائن وذكر فيه انشقاق القمر، وكانوا يقولون: خمس قد مضين: الرُّوم، والقمر، والدُّخان، والبَطْشه، والِّلزام، يتذاكرون هذا بينهم - رحمهم الله -.

وقد ذكرنا ما في العقل من حجَّة في ذلك، وهي تُلزِّم كل عاقلٍ بَلَغَتْهُ الدَّعوة سواء كان من المسلمين أو من غيرهم، وفي ذلك أتمّ كفايةٍ، ثمَّ ذكرنا تذاكر الصَّحابة بذلك وهي

(2) سورة القمر: 3

دلاله أُخرى، إذ لا يجوز أن يقول عاقلٌ بحضرة جماعةٍ وقد أقبل على من يحدِّثه: قد كنَّا في وقت كذا حتَّى حدث كذا وكذا - وهو يستشهد بالّذي حدث بحضرتهم ويدَّعي عليهم وما عندهم علمٌ، فيمسكون عن تكذيبهم والرَّد عليه، ثمَّ ذكرنا الإجماع السَّابق من الصَّحابة ليتأكَّد ذلك على كلِّ من كان من أهل الصَّلاة ".

فهذه الُّنقول عمن رووا حديث انشقاق القمر تبيِّن أنَّ الحديث قد يتواتر بهم، وهذه الرُّدود لبعض شيوخ الاعتزال تبيِّن أنَّ الأمر واردٌ ومقبولٌ عقلاً ونقلاً، وفي هذا ردٌّ على النَّظَّام ومن وافقه من شيوخ الاعتزال، ومع ذلك فإنَّا نجد في عصرنا هذا من أنكر هذه المعجزة، وأخذ يُورد عليها إشكالاتٍ فلكِيَّةً، وحديثيَّةً، وأُصوليَّةً، كما فعل محمد رشيد رضا، فضعَّف الحديث وردَّه متناً، وأورد عليه الإشكالات وقال بعد ذلك: (1) " فلو وقع لتوفَّرت الدَّواعي على نقله بالتَّواتر لشدَّة غرابته عند جميع النَّاس في جميع البلاد، ومن جميع الأُمم ولو كان وقوعه آيةً ومعجزةً لإثبات نبوَّة النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم -، لكان جميع من شاهدها من أصحاب النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلّم - نقلها، وأكثر الاستدلال والاحتجاج بها، حتّى كان يكون من نقلها في رواية الصَّحيحين قدماء الصَّحابة الّذين كانوا لا يكادون يُفارقون النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلّم - ولا سيَّما في مثل هذه المواقف، كالخُلفاء وسائر المبشَّرين بالجنَّة ".

ثمَّ استدل بانتظام حركة الكواكب وعدم مخالفتها لنظام الكون العام، وانشقاق القمر ما هو إلاّ مخالفةٌ لذلك النِّظام!!!.

وقال المَراغِيُّ أيضاً (2): " إنَّ انشقاق القمر من الأحداث الكونيَّة الهامَّة التي لوحصلت لرآها من النَّاس من لا يُحصى كثرةً من العرب وغيرهم، ويبلغ حدَّاً لا يمكِّن أحداً ان ينكره وصار من المحسوسات الّتي لا تدفع،ولصار من المعجزات التي لا يسع مسلماً ولا غيره إنكاراً".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير