بشرط أن يفارقك بعد أن يبت البيع وسنبين هذه المسألة في مسألة (بيعتين في بيعه) وهي التي سيذكرها المصنف في الباب الذي يلي هذا الباب - إن شاء الله -. أيّاً ما كان لو أن رجلاً باع السيارة إلى غير المعرض الذي اشترى منه فإنه يجوز حينئذٍ لأنه لا شبهة في هذا النوع من البيع تشتري بمائة ثم تبيع إلى طرف آخر بخمسين أو ستين.
وقال بعض العلماء: بتحريم هذا النوع من البيع وهو رواية عن الإمام أحمد-رحمة الله عليه- قالوا: لأنه في هذه الحالة كأنه يأخذ المعجل الذي هو الأربعين ألف في مقابل المؤجل وهو الخمسين فيصبح كأنه يعاوض مع التفاضل ولأنه لم يشترِ السلعة لذاتها وإنما اشتراها من أجل المال، ولذلك سموها مسألة التورق.
وجمهور العلماء على الجواز، وكان شيخ الإسلام-رحمه الله- يفتي بالتحريم وروجع في هذه المسألة أكثر من مرة كان يراجع فيها.
والذي يظهر رجحان مذهب الجمهور لما يلي:
أولاً: لعموم قوله-تعالى-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وقد ذكرنا أن العلماء قالوا: إن هذه الآية عامة وهي حجة لكل من يقول بأي بيع إنه جائز حتى يقوم الدليل على التحريم.
ثانياً: أمّا التعليل بأنه يريد الخمسين المعجلة لقاء المائة المؤجلة فنقول: إن شراء السلعة من أجل الثمن لا بأس به إذا كان طرفا العقد في البيع الأول والثاني مختلفين.
وتوضيح ذلك: أننا لو قلنا إن العلة كونه يشتري من أجل المال لحرمت التجارات كلها؛ لأنه ما من تاجر يشتري السلعة إلا وهو يريد المال ولا يريد السلع فهو حينما يشتري ألف كيس من الأرز مثلاً أو مائة من كيس البرّ لا يريد البرّ ولا يريد الأرز؛ وإنما يريد أن يدفع الألف في هذه المائة كيس لقاء ألف وخمسمائة يكسبها، أو يشتري مثلاً: سيارات بمليون لا يريد السيارات ولا يريد أن يركبها كلها وإنما يريد أن يبيع هذه السيارات التي اشتراها بمليون بربح فلو قلنا إن شراء السلعة من أجل المال سواءٌ كان بالأقل ومعاوضة بالأكثر أو بالأكثر ومعاوضة بالأقل يقتضي التحريم لحرمت التجارات وعلى هذا ضعفت هذه الشبهة وهي قولهم: إنه اشترى من أجل المال وأخذ القليل وعاوض بالكثير، صحيح أن لو كان الشخص الذي تشتري منه وتبيع واحداً لكن إذا اختلف الشخصان فحينئذٍ انتفت شبهة الربا وحلّ لك أن تشتري بالكثير وتبيع بالقليل كما حلّ للتاجر أن يشتري بالقليل ويبيع بالكثير، لأننا عندنا من يشتري بالكثير ويبيع بالقليل أنت إذا اشتريت السيارة مقسطة تشتريها بالقليل أو الكثير؟ بالكثير ويكون سعرها مقسطاً أعلى من سعرها نقداً فتشتريها بمائة ألف إلى نهاية السنة أو سنتين أو ثلاث فإذا اشتريتها إلى نهاية السنتين أو الثلاث تشتريها بسعر أغلى فحينئذٍ تبيعها وتأخذ القليل فكأنك اشتريت بالكثير ورضيت بالقليل اشتريت بالكثير الذي هو إلى الأجل وبعت بالقليل الذي هو النقد، التاجر عكسك، والربا كما تعلمون إذا كان في النقد وهو الريالات يستوي أن يشتري بالقليل ويبيع بالكثير أو يشتري بالكثير ويبيع بالقليل لأن الربا واقع في الاثنين الذي هو ربا الفضل، فلو قيل إن هذا من الربا وكأنه اشترى بخمسين وباع بستين لاقتضى هذا تحريم التجارة؛ لأنه يشتري بالخمسين ويبيع بالستين يشتري بالقليل ويبيع بالكثير.
ولذلك ذهب جمهور العلماء-رحمهم الله- إلى جواز هذا النوع من البيع إذا كانت الصفقة لشخصين مختلفين، لكن لو أنه اشترى السيارة من المعرض بمائة ألف إلى نهاية السنة وجاء رجل هو وكيل لصاحب المعرض يريد أن يشتريها منه نقداً بأقل حرم البيع فيستوي أن يبيع على صاحب المعرض أو يبيع على وكيل يوكله صاحب المعرض لأنه من جنس ما ذكرناه من الربويات.
شرح الشيخ
محمد بن محمد المختار الشنقيطي
زاد المستقنع في اختصار المقنع للحجاوي
كتاب المعاملات
ـ[أبو مهند النجدي]ــــــــ[24 - 06 - 05, 03:10 ص]ـ
التورقُ كما تجريهِ بعضُ المصارفِ في الوقتِ الحاضرِ
الحمدُ للهِ وبعدُ؛
كنتُ أبحثُ في محركاتِ البحثِ عن موضوعٍ معينٍ، ومن بين المقالاتِ التي وقعت يدي عليها خبرٌ نشر في جريدةِ " الرياض " بتاريخِ الخميس 24 شوال 1424 هـ - العدد 12963 - السنة 39،وعنوانُ المقالِ:
المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي يدعو رجال الفقه والقانون والسياسة في العالم للاتفاق على تعريف محدد للإرهاب
¥