تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذلك للأمور التالية:

أولاً: إن عقد التورق الذي أجازه المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي قد وضع قيوداً على هذا البيع، حيث عرف بيع التورق بأنه «شراء سلعة في حوزة البائع وملكه ... »، وما يتم من قِبَل البنوك التي تقوم ببيع سلع يتم تداولها في سوق السلع (المعادن) العالمي (البورصة) لا يتوفر فيها هذا الشرط، فنصوص عقود البيع التي تجريها هذه البنوك تشير إلى أن هذه السلع لا توجد لدى البنك، وأن ما يطلق عليه «شهادة التخزين» لا تمثل حيازة للسلعة ولا شهادة تملُّك، فمن المعروف والمتعارف عليه في سوق البضائع العالمي (البورصة) أن التعامل فيه يتم من خلال بيت السمسرة، والذي يدير عمليات تداول عقود بيع سلع تم شراؤها بسعر متفق عليه مسبقاً مع المنتج؛ على أن يتم التسليم في تاريخ لاحق يناسب توقيت الحاجة إلى السلعة، وعند حلول الأجل يقوم بيت السمسرة بشراء السلعة محل التعاقد من السوق الحاضر وتسليمها للمشتري. وهذا ما يؤكد أنه لا يوجد مجال للتعامل على السلعة نفسها، ولكون هذا التداول إنما يتم على أوراق، وليس حيازة وتملكاً للسلع، فإن بعض تلك البنوك أشارت في عقودها إلى أن ما يتم يكون على أوراق وليس حيازة وتملكاً للسلع. أما بعض البنوك فقد أشارت إلى أن حيازتها وتملكها للسلع إنما هو بموجب «شهادة التخزين»، حيث يشار في العقد إلى أن السلعة توجد في بلاد أخرى غير البلد الذي يتم فيه تحرير العقد، ولتجنب الإلزام ومن أجل ترسيخ التحايل؛ لم يشر إلى الوكالة وضرورة تفويض البنك بالبيع نيابة عنه، وإنما أشير إلى ذلك في نص الوكالة، حيث أوضحت الوكالة أن السلع المشتراة من البنك هي سلع يتم تداولها في سوق السلع (البورصة)، بخلاف بنوك أخرى جعلت نماذج التفويض والوكالة جزءاً من العقد، وهذا الأسلوب هو نوع من التهرب والتضليل ومحاولة إضفاء نوع من صحة البيع، وأنه لا يوجد فيه شروط فاسده تفسد البيع. ولكن هذا الأسلوب من التحايل لا يغير من حقيقة الأمر.

ثانياً: إن من أجاز بيع التورق من العلماء السابقين، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله، فقد أجازه مع الكراهة، وأشير في رواية الكراهة إلى إنه مضطر (1) (أي المتعامل بالتورق). أما الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فقد وافق الإمام أحمد في الرواية الثانية بالحرمة، يقول ابن القيم: (وكان شيخنا ـ رحمه الله ـ يمنع من مسألة التورق، وروجع فيها مراراً وأنا حاضر فلم يرخّص فيها، وقال: المعنى الذي لأجله حرم الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بشراء سلعة وبيعها والخسارة منها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأول وتبيح ما هو أعلى منه .... ودليل المنع قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع»، وقوله: «من باع بيعتين فله أوكسهما أو الربا» رواه أبو داود، وذلك لا يمكن وقوعه إلا على العينة) (2).

ولا شك أن أسلوب التورق المتبع من قِبَل هذه البنوك هو بيع العينة بعيَنْه، حيث يتولى البائع (البنك) شراء السلعة من السوق (البورصة)، ثم بيعها على المشتري، ثم بيعها مرة ثانية في سوق البورصة بقصد توفير المال الذي من أجله تمت صياغة هذا العقد، وهذا ما حرّمه ابن عباس، فقد نقل ابن القيم عن محمد بن عبد الله الحافظ المعروف بحطين في كتابه (البيوع) عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: «اتقوا هذه العينة؛ لا تبع دراهم بدراهم وبينهما حريرة»، وفي رواية «أن رجلاً باع من رجل حريرة بمائة ثم اشترها بخمسين». قال ابن عباس عن ذلك: «دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة»، وسئل ابن عباس عن العينة ـ يعني بيع الحريرة ـ فقال: «إن الله لا يُخدع، هذا مما حرم الله ورسوله». وقد روى ابن بطة باسناده إلى الأوزاعي قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع» (3).

فواقع عقود التورق ينطبق على ما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنه، حيث إن بيع المرابحة تحت مسمى التورق إنما هو بيع ريالات بريالات بينهما بيع مستندي لسلع لم يتم استلامها ولا تملُّكها، وإنما هي بيوعات مستقبلية في سوق بورصة البضائع، لا يتم فيها قبض للسلع ولا تسليم، وإنما هي بيوع آجلة يتم المضاربة فيها، فهي أشبه بالحريرة كما قال ابن عباس رضي الله عنه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير