تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومؤسسي حضارتها ومجدها بالعلم والعمل والسياسة والآداب، بل ينبذون سنة

الرسول الذي يدَّعون اتباع ملته وما روى سلفهم عنه من التشريع والحكم والآداب،

ومنهم من يدَّعي اتباع سنته العملية التي تلقاها عنه أصحابه بالعمل دون ما ثبت

عنه بالأحاديث القولية، وإن كانت صحيحة المتون والأسانيد لا يعارضها معارض

من القرآن ولا قطعي آخر يثبته العلم والعقل، ويدَّعون أنهم يتبعون نصوص

القرآن كأن فهمهم وبيانهم له وحرصهم على العمل به فوق فهم من أوحي إليه وكلفه

الله تعالى بيانه بالقول والعمل، وعصمه من الخطأ في كل ما يبلِّغه عنه من

نصوصه، ومن المراد منها أي من كل ما هو دين وشرع.

وإذا كان السيد الندوي يعجب من صدور هذا الضلال عن بعض الأعاجم في

الهند، فنحن أحق بالعجب منه عندما نرى بعض هؤلاء المعادين لهديه صلى الله

عليه وسلم من الناشئين في البلاد العربية الذين تلقوا شيئًا من فنون لسان العرب

كان يجب أن يكونوا به أصح فهمًا للقرآن من أولئك الأعاجم الذين عناهم أخونا

السيد الندوي، وأغرب ما رأيناه من تأويل هؤلاء لآيات القرآن بما تتبرأ منه لغته،

وما مضت به السنة النبوية وإجماع الأمة سلفها وخلفها من قول وعمل - هو زعم

بعضهم أن القرآن يدل على بطلان التسري، وتأويله بل تحريفه لمثل قوله تعالى:

? فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ? (النساء: 3) وقوله:

?وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن

فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ ? (النساء: 25) بأن المراد بما ملكت الأيمان الخوادم الحرائر!!

ونحمد الله تعالى أنه لم يوجد في هذه البلاد أتباع لهذا الرجل كما وجد أمثاله في

الهند في هذه الأثناء، ومن قبلها حين قام مرزا غلام أحمد القادياني يدَّعي أنه هو

المسيح، وحرَّف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بما تتبرأ منه اللغة العربية

حقيقتها ومجازاتها وكناياتها.

وقد علم الأستاذ الندوي وغيره أنه كان قام في هذه البلاد من زعم أن الإسلام

الذي يجب على الناس الاهتداء به هو العبادات فقط، أي كما يفهمه هؤلاء المبتدعة

الذين لا يقيم أكثرهم لها ركنًا، وأما ما في القرآن والسنة من الشرائع والأحكام

السياسية والاجتماعية والمدنية والعقوبات فلا يوجب الله - بزعمه - عليهم اتباعها!!

بل يبيح لهم أن يتبعوا أي قانون بشري يخالفها.

والذي نعلمه بالاختبار أن بعض هؤلاء الدعاة إلى هدم الإسلام جاهل غبي قد

فتن بحب الظهور، وبعضهم ملحد يدعو المسلمين إلى الإلحاد لهوى في نفسه، أو

خدمة لبعض الدول الطامعة في بلاد الإسلام واستعباد المسلمين، التي علمت

بالاختبار أنهم لا يقبلون الاستعباد ما داموا مستمسكين بعروة الإسلام دين السيادة

والعزة والملك، الذي نسخ جميع الشرائع وجعله الله الدين الأخير الكامل للبشر كلهم

إلى أن تقوم الساعة، فيجب على جماعة المسلمين في كل قطر أن يقيموا الحجج

المعقولة على ضلالة جميع هؤلاء المبتدعة ووجوب الاعتصام بكتاب الله وسنة

رسوله صلى الله عليه وسلم وهدي سلف الإسلام الصالحين، وعدم الاعتداد بإسلام

من لا يهتدي بالسنة، ولا بمن يحرِّف القرآن بتفسير يخالف قواعد اللغة

وضروريات الدين وإجماع السلف الصالحين؛ فإن غايتهم أن لا يبقى من الإسلام

شيء، خذلهم الله أجمعين.


(1) المنار: الذي يقابل الإطلاق هو التقييد، والاستثناء مما يخصص العام، ولا ندري هل عبَّر
الأستاذ باللفظ الاصطلاحي فيهما وتصرف فيه المترجم، أم هو الذي تعمد ترك الاصطلاح لأفهام
الجمهور.
(2) المنار: هذا غير مسلم إلا إذا أريد بالصحيح صحيح المتن والإسناد معًا، وبالموضوع ما يجزم
بوضعه لمخالفة معناه للقطعي في الدين أو في الوجود والحس أو في العقل، ومنه بعض ما استشكله
شراح الصحيحين وغيرهما، وأجابوا عنه حتى بما لا يرضاه المستقل الفهم في بعضه.
(3) هذا الإجماع غير مسلم على إطلاقه أيضًا.
(4) المنار: هذا ما ننويه ووعدنا به منذ عشرات السنين على وجه أوسع مما اقترحه صديقنا الكاتب،
وأسأل الله التوفيق.
(5) المنار: هذا غير مسلم، ففي الموطأ كثير من الأحاديث القولية الآحادية من مرفوع وموقوف
ومرسل، ومنها ما لم يبلغ أن يكون سنة متواترة بعمل جميع الصحابة والتابعين به على ما قاله
الكاتب في معنى السنة؛ ولأجل ما فيه من المسائل المختلف فيها أبى الإمام مالك ما عرضه عليه
هارون الرشيد من تعليق الموطأ في الكعبة وحمل الناس على ما فيه وعلل إباءه بقوله له: لا تفعل
فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان وكل
مصيب اهـ، وإنما سماه (الموطأ) لأن علماء المدينة واطأوه ووافقوا عليه.
(6) المنار: لا يشترط في تحقق البدعة ترك شيء من السنة، فكل ما أحدثه الناس من قول وعمل
في الدين وشعائره مما لم يؤثَر عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، فهو بدعة وضلالة، فبين
ترك السنة والابتداع عموم وخصوص يجتمعان في بعض الأمور ويوجد كل منهما وحده.
(7) فيه أن الخلافة من الأمور العملية؛ ولكنها من عمل جماعة المسلمين لا من سنة الرسول صلى
الله عليه وسلم فلا يكفر مخالفها، وإجماعهم العملي دليل على عدم وجود نص قطعي فيها، وسيدنا
علي وآله عليهم السلام لم يحتجوا على ما يعتقدون من أولويته بالنص، بل وافقوا الجمهور وبذلك
كان إجماعًا عمليًّا.

((مجلة المنار ـ المجلد [30] الجزء [9] صـ 673 ذو القعدة 1348 ـ أبريل 1930))

وهاكم الملف:
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير