[كتاب حلية الاولياء تكدر باشياء وفاتته اشياء بقلم ابن الجوزي]
ـ[أبو ابراهيم الكويتي]ــــــــ[20 - 07 - 05, 04:03 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
قال ابن الجوزي رحمه الله في كتابه صفوة الصفوة
أما بعد: فإنك الطالب الصادق، والمريد المحقق لما نظرت في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني أعجبك ذكر الصالحين والأخيار، ورأيته دواء لأدواء النفس، إلا أنك شكوت من إطالته بالأحاديث المسندة التي لا تليق به و بكلام عن بعض المذكورين كثير قليل الفائدة، وسألتني أن أختصره لك و أنتقي محاسنه، فقد أعجبني منك أنك أصبت في نظرك، إلا أنه لم يكشف لك كل الأمر، و أنا أكشفه لك فأقول: اعلم أن كتاب الحلية قد حوى من الأحاديث والحكايات جملة حسنة إلا أنه تكدر بأشياء وفاتته أشياء،
فالأشياء التي تكدر بها عشرة:
الأول -أن هذا الكتاب إنما وضع لذكر أخبار الأخيار، و إنما يراد من ذكرهم شرح أحوالهم و أخلاقهم ليقتدي بها السالك، فقد ذكر فيه أسماء جماعة ثم لم ينقل عنهم شيئا من ذلك، ذكر عنهم ما يروونه عن غيرهم أو ما يسندونه من الحديث، كما ملأ ترجمة هشام بن حسان بما يروى عن الحسن، و تلك الحكايات ينبغي أن تدخل في ترجمة الحسن لا في ترجمة هشام، و كذلك ملأ ترجمة جعفر بن سليمان بما يروى عن مالك بن دينار و نظرائه، ولم يذكر له عنه شيئا.
والثاني -أنه قصد ما ينقل عن الرجل المذكور، و لم ينظر هل يليق بالكتاب أم لا، مثل ما ملأ ترجمة مجاهد بقطعة من تفسيره، و ترجمة عكرمة بقطعة من تفسيره، و ترجمة كعب الأحبار بقطعة من التوراة و ليس هذا بموضع هذه الأشياء.
والثالث -أنه أعاد أخبارا كثيرة مثل ما ذكر في ترجمة الحسن البصري من كلامه، ثم أعاده في تراجم أصحابه الذين يرون كلامه، و ذكر في ترجمة أبي سليمان الداراني من كلامه، وأعاده في ترجمة أحمد بن أبي الحواري بروايته عن أبي سليمان.
والرابع -أنه أطال بذكر الأحاديث المرفوعة التي يرويها الشخص الواحد فينسى ما وضع له ذكر الرجل من بيان آدابه و أخلاقه، كما ذكر شعبة و سفيان و مالك و عبد الرحمن بن مهدي و أحمد بن حنبل و غيرهم، فإنه ذكر عن كل واحد من هؤلاء من الأحاديث التي يرويها مرفوعة جملة كثيرة، و معلوم أن مثل كتابه الذي يقصد به مداواة القلوب إنما وضع لبيان أخلاق القوم لا الأحاديث، و لكل مقام مقال، ثم لو كانت الأحاديث التي ذكرها من أحاديث الزهد اللائقة بالكتاب لقرب الأمر، و لكنها من كل فن، و عمومها من أحاديث الأحكام والضعاف. أو لو كان اقتصر على الغريب من روايات المكثرين، أو رخم ما يرويه المقلون -كما روي عن الجنيد أنه لم يسند إلا حديثا واحدا -لكان ذكر مثل هذا حسنا لكنه أمعن فيما لا يتعلق ذكره بالكتاب.
والخامس -أنه ذكر في كتابه أحاديث كثيرة باطلة و موضوعة، فقصد بذكرها تكثير حديثه و تنفيق رواياته، و لم يبين أنها موضوعة و معلوم أن جمهور المائلين إلى التبرر يخفى عليهم الصحيح من غيره، فستر ذلك عنهم غش من الطبيب لا نصح.
والسادس -السجع البارد في التراجم، الذي لا يكاد يحتوي على معنى صحيح خصوصا في ذكر حدود التصوف.
والسابع -إضافة التصوف إلى كبار السادات كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وشريح و سفيان و شعبة و مالك و الشافعي وأحمد و ليس عند هؤلاء القوم خبر من التصوف.
فإن قال قائل: إنما عنى به الزهد في الدنيا و هؤلاء زهاد، قلنا: التصوف مذهب معروف عند أصحابه لا يقتصر فيه على الزهد بل له صفات و أخلاق يعرفها أربابه و لولا أنه أمر زيد على الزهد ما نقل عن بعض هؤلاء المذكورين ذمه، فانه قد روى أبو نعيم في ترجمة الشافعي رحمة الله عليه أنه قال: التصوف مبني على الكسل، و لو تصوف رجل أول النهار لم يأت الظهر إلا و هو أحمق.و قد ذكرت الكلام في التصوف و وسعت القول فيه في كتابي المسمى بتلبيس إبليس.
صفحة: 2
والثامن -أنه حكى في كتابه عن بعض المذكورين كلاما أطال به لا طائل فيه، تارة لا يكون في ذلك الكلام معنى صحيح كجمهور ما ذكر عن الحارث المحاسبي و أحمد بن عاصم، وتارة يكون ذلك الكلام غير اللائق بالكتاب، و هذا خلل في صناعة التصنيف، و إنما ينبغي للمصنف أن ينتقي فيتوقى ولا يكون كحاطب ليل فالنطاف العذاب تروي لا البحر.
¥