والتاسع -أنه ذكر أشياء عن الصوفية لا يجوز فعلها، فربما سمعها المبتدئ القليل العلم فظنها حسنة فاحتذاها، مثل ما روي عن أبي حمزة الصوفي أنه وقع في بئر فجاء رجلان فطماها، فلم ينطق حملا لنفسه على التوكل بزعمه، و سكوت هذا الرجل في مثل هذا المقام إعانة على نفسه و ذلك لا يحل، ولو فهم معنى التوكل لعلم أنه لا ينافي استغاثته في تلك الحال، كما لم يخرج رسول الله. صلى الله عليه وسلم من التوكل بإخفائه الخروج من مكة واستئجاره دليلا واستكتامه، واستكفائه ذلك الأمر و استتار في الغار، و قوله لسراقة: أخف عنا.
فالتوكل الممدوح لا ينال بفعل محذور، و سكوت هذا الواقع في البئر محظور عليه، و بيان ذلك أن الله عز وجل قد خلق للآدمي آلة يدافع بها عن نفسه الضرر و آلة يجتلب بها النفع، فإذا عطلها مدعيا للتوكل كان جهلا بالتوكل و ردا لحكمة الواضع لأن التوكل إنما هو اعتماد القلب على الله سبحانه و ليس من ضرورته قطع الأسباب، و لو أن إنسانا جاع فلم يأكل، أو احتاج فلم يسأل، أو عري فلم يلبس، فمات دخل النار، لأنه قد دل على طريق السلامة فإذا تقاعد عنها أعان على نفسه.
و قد أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا محمد ابن ... قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن العباس بن أيوب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرقي قال: حدثنا مطرف بن مازن عن الثوري قال: من جاع فلم يسأل حتى مات دخل النار.
قلت: و لا التفات إلى أبي حمزة في حكايته فجاء أسد فأخرجني، فإنه إن صح ذلك فقد يقع مثله اتفاقا، و قد يكون لطفا من الله تعالى بالعبد الجاهل، ولا ينكر أن يكون الله تعالى لطف به، إنما ينكر فعله الذي هو كسبه، و هو إعانته على نفسه التي هي وديعة الله تعالى عنده و قد أمر بحفظها.
و كذلك روى عن الشبلي أنه كان إذا لبس ثوبا خرقه وكان يحرق ... و الخبز والأطعمة التي ينتفع بها الناس بالنار، فلما سئل عن هذا احتج بقوله: فطفق مسحا بالسوق والأعناق سورة -ص -آية 33، وهذا في غاية القبح لأن سليمان عليه السلام نبي معصوم فلم يفعل إلا ما يجوز له، وقد قيل في التفسير أنه مسح على نواصيها و سوقها و قال: أنت في سبيل الله، و إن قلنا أنه عقرها فقد أطعمها الناس، و أكل لحم الخيل جائز، فأما هذا الفعل الذي حكاه عن الشبلي فلا يجوز في شريعتنا فإن رسول الله. صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال -و حكى عنه لما مات ولده حلق لحيته و قال: قد جزت أمه شعرها على مفقود أفلا أحلق أنا لحيتي على موجود? إلى غير ذلك من الأشياء السخيفة الممنوع منها شرعا.
والعاشر -أنه خلط في ترتيب القوم فقدم من ينبغي أن يؤخر و آخر من ينبغي أن يقدم، فعل ذلك في الصحابة و فيمن بعدهم، فلا هو ذكرهم على ترتيب الفضائل، ولا على ترتيب المواليد، ولا جمع أهل كل بلد في مكان، وربما فعل هذا في وقت ثم عاد فخلط، خصوصا في أواخر الكتاب فلا يكاد طالب الرجل يهتدي إلى موضعه ومن طالع كتاب هذا الرجل ممن له أنس بالنقل انكشف له ما أشرت إليه.
و أما الأشياء التي فاتته فأهمها ثلاثة أشياء:
أحدها -أنه لم يذكر سيد الزهاد و أمام الكل و قدوة الخلق و هو نبينا. صلى الله عليه وسلم فانه المتبع طريقه المقتدي بحاله
والثاني -أنه ترك ذكر خلق كثير قد نقل عنهم من التعبد والاجتهاد الكبير، ولا يجوز أن يحمل ذلك منه على أنه قصد المشتهرين بالذكر دون غيرهم، فإنه قد ذكر خلقا لم يعرفوا بالزهد ولم ينقل عنهم شيء و ربما ذكر الرجل فأسند عنه أبيات شعر فحسب، ففعله يدل على أنه أراد الاستقصاء، وتقصيره في ذلك ظاهر.
والثالث -أنه لم يذكر من عوابد النساء إلا عددا قليلا، و معلوم أن ذكر العابدات مع قصور الأنوثية، يوثب المقصر من الذكور، فقد كان سفيان الثوري ينتفع برابعة و يتأدب بكلامها.
صفحة: 3
وقد حداني جدك أيها المريد، في طلب أخبار الصالحين و أحوالهم أن أجمع لك كتابا يغنيك عنه و يحصل لك المقصود منه، و يزيد عليه بذكر جماعة لم يذكرهم، وأخبار لم ينقلها، و جماعة ولدوا بعد وفاته، و ينقص عنه بترك جماعة قد ذكرهم لم ينقل عنهم كبير شيء وحكايات قد ذكرها، فبعضها لا ينبغي التشاغل به، وبعضها لا يليق بالكتاب على ما سبق بيانه.
ـ[أبو ابراهيم الكويتي]ــــــــ[20 - 07 - 05, 04:08 م]ـ
أتمنى من المشرف ان ينقلها الى مكانها الصحيح لاني وضعتها بالخطأ هنا فالمعذرة