تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من قضايا المعرفة ونقد اللاهوت ونظريات البنيوية وما بعدها [12]، ويعاني في

عرضه للأقوال من عدم التوثيق أو القول الصحيح لما ينقل؛ إذ يقلب كل قضية

قرآنية أو تفسيرية أو سياق لعلم حتى يفسد المعنى ويلويه إلى ما يريد كما مر معنا

في مسألة كتابة القرآن، ومثال آخر يعرِّف الوحي بقوله: " إنه يُدعَى بالتنزيل أي

الهبوط من فوق إلى تحت " [13].

معاني القرآن:

لو تجاوزنا قضية شكه في القرآن وردّه للسنة من باب أَوْلى فماذا يفسر به

القرآن وكيف يفهمه، إنه يقول: " إن القرآن - كما الأناجيل - ليس إلا مجازات

عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانوناً واضحاً،

أما الوهم الكبير فهو اعتقاد الناس - اعتقاد الملايين - بإمكانية تحويل هذه

التعابير المجازية إلى قانون شغال وفعال ومبادئ محدودة تطبق على كل الحالات

وفي كل الظروف " [14].

ويقول في موضع آخر:

(إن المعطيات الخارقة للطبيعة والحكايات الأسطورية القرآنية سوف تُتلقَّى

بصفتها تعابير أدبية، أي تعابير محورة عن مطامح ورؤى وعواطف حقيقية يمكن

فقط للتحليل التاريخي السيولوجي والبسيكولوجي اللغوي - أن يعيها

ويكشفهما) [15].

ويفصل أركون بين القرآن والشريعة، فالقرآن عنده " خطاب مجازي يغذي

التأمل والخيال والفكر والعمل ويغذي الرغبة في التصعيد والتجاوز، والمجتمعات

البشرية لا تستطيع العيش طيلة حياتها على لغة المجاز " [16] ولكن هناك البشر

المحسوسون العائشون - كما يقول - في مجتمع وهناك أمورهم الحياتية المختلفة

التي تتطلب نوعاً من التنظيم والضبط وهكذا تم إنجاز الشريعة [17] ثم يعقب بأن

هناك مجالاً أسطورياً مجازياً وهو مجال القرآن، ومجال آخر واقعي للناس هو

مجال الشريعة ويقول: (إنه وهم كبير أن يتوقع الناس علاقة ما بين القرآن

والشريعة التي هي القوانين الشرعية وأن المناخ الميثي (الأسطوري) الذي سيطر

على الأجيال السابقة هو الذي أتاح تشييد ذلك الوهم الكبير، أي إمكانية المرور من

إرادة الله المعبر عنها في الكتابات المقدسة إلى القوانين الفقهية (الشريعة) وحجته في

ذلك ما يلي: في الواقع أن هناك أنواعاً مختلفة من الكلام (من الخطاب) وهناك

فرق بين خطاب شعري أو ديني، وخطاب قانوني فقهي أو فلسفي، ولا يمكن لنا أن

نمر من الخطابين الأولين إلى الخطابات الأخرى إلا بتعسف واعتباط) [18] ألا ترى

أنك يا أركون قد استطعت أن تمرق من الخطابين.

مكانة السنة عنده:

ليس هذا مجالاً لمتابعة هذه الأقوال والرد عليها، فيكفي هنا التعريف بمعالم

فكره بما فيها جرأته على الشك في ثبوت وصول القرآن إلينا، وجرأته على نفي

الحديث والزعم بأن الظروف السياسية وأوضاع المجتمعات التي انتشر فيها الإسلام

احتاجت إلى أحاديث وقال: (إن السنة كُتبت متأخرة بعد موت الرسول - صلى

الله عليه وسلم - بزمن طويل وهذا ولَّد خلافات. لم يتجاوزها المسلمون حتى اليوم

بين الطوائف الثلاث السنية والشيعية والخارجية، وصراع هذه الفرق الثلاث جعلهم

يحتكرون الحديث ويسيطرون عليه لما للحديث من علاقة بالسلطة القائمة) [19].

وهو يرى أن الحديث هو جزء من التراث الذي يجب أن يخضع للدراسة النقدية

الصارمة لكل الوثائق والمواد الموروثة كما يسميها [20]، ثم يقول: (وبالطبع فإن

مسيرة التاريخ الأرضي وتنوع الشعوب التي اعتنقت الإسلام - قد خلقت حالات

وأوضاعاً جديدة ومستحدثة لم تكن متوقعة أو منصوصاً عليها في القرآن ولا في

الحديث، ولكي يتم دمجها وتمثلها في التراث فإنه لزم على المعنيين بالأمر أن

يصدقوا عليها ويقدسوها إما بواسطة حديث للنبي، وإما بواسطة تقنيات المحاجة

والقياس). [21]

الشريعة والحياة تلك هي مكانة الشريعة عنده وهذه مكانة أحاديث الرسول -

صلى الله عليه وسلم - إذ لا يرى أي تشريع جاء به القرآن، وأن القرآن خطاب

أدبي عاطفي لا علاقة له بالحياة، والشريعة ضرورة اجتماعية أملتها ظروف

المجتمع وحاجة الناس، وهي في مجموعها تراث إذا قابلت في الطريق ثقافة

مجتمع آخر أو استجد شيء فإن هذا الجديد يدمج في هذا التراث بواسطة حديث أو

قياس، وهو يناقض نفسه تماماً، إذ لو لم تكن الشريعة من غير هذين المصدرين

كأساس لما سعى المعنيون بالأمر - كما يسميهم - لفعل ما كذبه عليهم. وهذا مثال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير