فهذه النّصيحة لِمَنْ وَقَفَ عليها مِنَ الإخوان الصّادقين والمريدين، والعامّة المسلمين المصحِّحين، لِيُميِّزوا بها بين المُحِقِّين والمُبطلين مِنَ المنتمين إلى الدّين ولا يغْتَرّوا بالملْبَس منْ أجل حُسن الظنّ ومحبّتهم للصالحين، ويدخل عليهم الخلل في عقائدهم، ويميلون بها إلى عوائدهم.
وأمّا ما ذكَرْتُموه مِنْ أفعالهم واشتغالهم بالرقص والغنا والنّوح فممنوعٌ غيرُ جائزٍ، قال الله تعالى: {ومِنَ النّاس منْ يَشْتَري لهْوَ الحديث لِيُضلَّ عن سبيل الله}.
قال مالك في المدوّنة: " وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح وعلى كتابة ذلك ".
قال عياض: معناه نوحُ المُتَصوِّفة وإنشادهم على طريق النوح والبكاء، فمن اعتقد في ذلك أنّه قُرْبة لله تعالى فهو ضالٌ مُضِلّ، وَلا يعْلَمُ المسكين أنّ الجنّة حُفّت بالمكاره، وأنّ النار حُفّت بالشهوات، والله تعالى لم يَبعَث أحداً منَ الأنبياء باللهو والرّاحة والغِناء، وإنّما بُعِثوا بالبِرِّ والتقوى وما يُخالف الهوى. قال تعالى: {وأمّا مَنْ خَافَ مقامَ رَبِّهِ ونهى النَّفْسَ عنِ الهوى فإنَّ الجنّة هي المأوى}. فالباطل خفيفٌ على النفوس، ولذلك خفّ في الميزان، والحقُّ ثقيلٌ، ولذلك ثَقُلَ في الميزان، قال تعالى: {إنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قوْلاً ثَقيلاً}
وقال عبد الوهّاب: ومنَ البدع الكبرى ما نشاهده ممن يدّعي لنفسه العبادة والتّقدم. انظر تمامه، ولعلّه في شرح الرّسالة لعبد الوهاب. (يعني القاضي شيخ المالكية)
وأمّا ما ذكرتموه منْ قراءة القرآن والاستماع إليه فإنه جائز. وفيه قربة وطاعة لله عزّ وجل قال تعالى: {وإذا قُرِىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلّكم ترحمون}.وإن كان بعضٌ أوّل ذلك في الصلاة.وهذا إذا كان على الوجه المأذون فيه؛ لا يقصد به رياءً ولا سُمعة.
قال أبو محمد في رسالته:ويبجل كتاب الله العزيز فلا يُتلى إلا بسكينة ووقار. والنساء فيما ذكرنا كالرجال فالمنعُ في حقّهن أشدُّ.
وكتب عبد العزيز بن محمد القيرواني حامداً الله ومصلٍ على نبيّه المصطفى. انتهى
ـ وسُئلَ فقيهُ بجاية وصالحها أبو زيد سيّدي عبد الرحمن الواغليسي عن مثل هذا السؤال.
فأجابَ عنه بما نصّه:
" قد نصَّ أهلُ العلم فيما ذكرتَ منْ أحوال بعض الناس منَ الرقص والتصفيق، على أنّ ذلك بدعةٌ وضلال. وقد أنكره مالك وتعجّب ممن يفعل ذلك لمّا ذُكر له أنّ أقواماً يفعلون ذلك فقال: أصبيانٌ هم أم مجانين؟! ما سمِعْنا أحداً من أهل الإسلام يفعل هذا. انتهى المعيار ج11/ 29
13ـ وجاء في المدونة الكبرى 3/ 432
قلتُ: أكان مالك يكره الغناء؟ قال: كره مالك قراءة القرآن بالألحان فكيف لا يكره الغناء!!
14ـ وسُئل الشيخ أبو إسحاق الشاطبي (من أئمة المالكية والمرجع في علم الأصول) عن حال طائفة ينتمون إلى التّصوّف والفقر، يجتمعون في كثير من الليالي عند واحد من الناس، فيفتتحون المجلس بشيء من الذكر على صوت واحد ثمّ ينتقلون بعد ذلك إلى الغناء والضرب بالأكفّ والشطح، هكذا إلى آخر الليل ويأكلون في أثناء ذلك طعاماً يَعُدُّه لهم صاحبُ المنزل، ويحضر معهم بعض الفقهاء، فإذا تُكُلِّمَ معهم في أفعالهم تلك يقولون: لو كانت هذه الأفعال مذمومة أو محرّمة شرعاً لما حضرها الفقهاء.
فأجابَ ما نصّه: الحمد لله كما يجب لجلاله، والصلاة على محمّدٍ وآله. سَألتَ وفّقني الله وإيّاك عن قومٍ يتسمّون بالفقراء، يجتمعون في بعض الليالي، ويأخذون في الذكر ثم في الغناء والضرب بالأكفّ والشطح إلى آخر الليل، وأنّ اجتماعهم على إمامين من أئمّة ذلك الموضع يتوسّمان بوسم الشيوخ في تلك الطريقة، وذكرتَ أنّ كل منْ يُزْجَر عن ذلك الفعل، يحتجُّ بحضور الفقهاء معهم ولو كان حراماً أو مكروهاً لم يحضروا معهم.
¥