تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

15 ـ و أجاب عن السؤال السابق أيضاً الفقيه الصالح أبو عبد الله الحفار المالكي بما نصه:

((الحمد لله والصلاة على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. الجواب مستعيناً بالله: إن هذه الطائفة المنتمية للتصوف في هذا الزمان وفي هذه الأقطار، قد عظُم الضرر بهم في الدين، وفشت مفسدتهم في بلاد المسلمين ولا سيما في الحصون والقرى البعيدة عن الحضرة هنالك، يُظهرون ما انطوى عليه باطنهم من الضلال، من تحليل ما حرم الله، والافتراء عليه وعلى رسوله. وبالجملة فهم قوم استخلفهم الشيطان على حَلِّ عُرى الإسلام و إبطاله، وهدم قواعده ولسنا لبيان حال هؤلاء، فهم أعظم ضرراً على الإسلام من الكفار، و إنما يقع الجواب على حال من ذكر في السؤال على تقدير سلامة عقيدته، لكنهم قوم جهلة، ليس لديهم شيء من المعارف ولا يحسن واحد منهم أن يستنجي ولا يتوضأ دعْ ما سوى ذلك، لا يعرف ما فرض الله عليه. بهيمة من البهائم في دينه، و ما أوجب الله عليه في يومه وليلته، ليس عنده من الدين إلا الغنا والشطح، و آكل أموال الناس بالباطل، واعتقاد أنه على شيء. وهذا كله ضلال من وجوه:

أعظمها أنهم يوهمون على عوام المسلمين و من لا عقل له من النساء، ومن يشبههن في قلة العقل من الرجال أن هذه الطريقة التي يرتكبونها هي طريقة أولياء الله وهي من أعظم ما يتقرب به إلى الله فيضلون ويضلون، وفي ذلك افتراء على الله وعلى أوليائه وعلى شريعته و أوليائه.

قال عمر رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة الصحابة رضي الله عنهم: ((أيها الناس قد سُنَّت لكم السنن، وفُرِضت لكم الفرائض، وتركتم على الجادة، إلا أن تميلوا بالناس يميناً وشمالاً)).

فليس في دين الله ولا فيما شرع أن يُتقرب إليه بغناءٍ ولا شطح، والذكر الذي أمر به وحث عليه ومدح الذاكرين له به، هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم ولم يكن على تلك الطريقة من الجمع ورفع الصوت على لسان واحد ....

فلا يُتقرب إلى الله إلا بما شرع وعلى الوجه الذي شرع، فمِن كلام السلف: لن يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها.

وسئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن الصراط المستقيم فقال: ((تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد و عن شماله جوادّ (جمع جادة) وعليها رجال يدعون من مرّ بهم، هلم لك، هلم لك. فمن أخذ منهم في تلك الطرق سُلك به إلى النار، ومن استقام على الطريق الأعظم انتهى به إلى الجنة)) ثم تلا ابن مسعود هذه الآية: {و أنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرّقَ بكم عن سبيله}.

وحين ذكر عليه السلام أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل من هي يا رسول الله؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)). أو كما قال عليه السلام إلى غير ذلك مما جاء في هذا الباب ولا يُحصى كثرةً.

و إنما حمل هذه الطائفة على ارتكاب هذه الطرق المهلكة في الدين أنهم لمّا احتاجوا إلى ما يحتاج إليه الناس من المأكل والمشرب والملبس وسائر المآرب التي يحتاج الإنسان إليها، ولم تكن لهم لا صناعة ولا حرفة يتعيشون بها، أو كانت و صَعُب عليهم الكدّ في طلب المعاش، وتكلُّف الخدمة لخسّة همتهم بركونهم إلى الدَّعة والراحة، فسوَّل لهم الشيطان و زيَّن لهم هذه الطريقة التي هي لهو ولعب، ولبَّسوا فيها على الجُهَّال بالذِّكْر الذي يفتتحون به مجالسهم، ولَبِسوا المرقّعات و نَصَبوها شبكةً إذ كانت لباسَ الخِيَار من أهل هذه الطريقة قبل أن تدخلها البدع و الضلالات. وقالوا لهم: هذه طريقة الأولياء، وهي أقرب الطرق إلى الله و إلى نيل رضاه والكونِ في جواره في الآخرة، فتهافت الجهّال عليهم وأوصلوهم إلى ما شاءوا من نيل شهواتهم إلى أقصى الغايات؛ فالإنسان إذا قيل له كُل واشرب واشطح وتلذذ بالغنا والْهُ والعب طول عمرك ولا تتعب في عبادة ولا غيرها ثم مصيرك في الآخرة إلى أعلى الدرجات مع الأولياء والصالحين، فيرى أن هذه الجنة معجلة قبل الموعود بها، وأنه قد حصل على ما لا غاية بعده من السعادة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير