فأيُّ مصيبة أعظم من هذه في إضلال عباد الله؟ فالواجب على من قدر على هؤلاء ـ الذين هم كالأَكَلَة في جَنْبِ الدين ـ أن يمنعهم ويحول بينهم وبين ما هم بسبيله وأن يُجليهم عن موضعه، فهو في ذلك مجاهد مأجور، فمفاسدُهم متعددة ديناً ودنيا. قال بعض الحكماء لتلامذته: كونوا كالنحل في الخلايا , قالوا كيف النحلُ في الخلايا؟ قال: إنها لاتترك عندها بطالاً إلا نفته و أقصته عن الخلية لأنه يُضيّق عليهم المكان ويأكلُ العسل ويعلّمُ الكسل. فهؤلاء القوم هذه صفتهم، لأنه لا نفْعَ بهم، فهم يُضيّقون على الناس في المساكن، ويَأكلون أرزاقهم بغير حق، ويعلّمونهم الكسل، وتَرْكَ الحِرَف، والاتِّكال على ما في أيدي الناس، وهم بمنزلة الربيع في أثناء الزرع يُضيّقُ المكان، ويستبدُّ بالماء، ويفسد الزرع، فلذلك يُقلع ويرمى به. ...
وأمّا حضور الفقهاء معهم وقولهم لو كنّا على غير طريقة مرْضيّة لما حضرها الفقهاء معنا. فيُقال: إنّ حضور الفقهاء معهم ليس بدليل على الجواز، ولا عدمه دليلٌ على المنع، ولا يُعرفُ الحقُّ بالرجال، بل الرجالُ يُعرفون بالحق، فالفقيه إذا حضَرَ معهم ووافق واستحسن فعلهم فهو مثلهم بل هو شرٌّ منهم وهو باسم الفسق أولى منه باسم الفقه. وإنْ حضرَ ليرى تلك الطريقة وما تنطوي عليه حتى يحكُمَ بما يشاهد من أحوال أهلها، ثمّ بعد ذلك يحكم عليها بما يقتضيه الفقه، فحضوره حسن. وإنْ كان حضوره على جهة تفريج النفس، كما يحضُر الإنسان مجالس اللهو واللعب، فإنْ تكرر ذلك منه على هذا الوجه، فذلك مسقطٌ لعدالته. وإن كانت فلتة فلْتُقَل عثرته ولا يَعُدْ للحضور معهم فيكون مثلهم على ما أشار إليه قوله تعالى: {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره إنّكم إذاً مثلهم}. فمن كثَّرَ سواد قومٍ فهو منهم.
هذا ما حضرَ تقييدُه في هذا الوقت والسائل يستحث في التعجيل. فهذا القدر كافٍ في الغرض المطلوب. والله يُوفّقنا إلى الاقتداء بسلفنا، ويعصمنا من الابتداع في الدِّين، والسلام على منْ يقف على هذا والرحمة والبركة من كاتبه محمد الحفّار. انتهى المعيار ج11/ 42.
16ـ وجاء في المنظومة الطويلة البديعة للعلاّمة عبد الرحمن بن سعيد الأخضري المغربي (وكان شاذلياً) رحمه الله، هذه الأبيات التي يصفُ فيها الصوفية وغناءهم ورقصهم:
والرقصُ والصراخ والتصفيق*******عمداً بذكر الله لا يليق
وإنما المطلوبُ في الأذكارِ*******الذكرُ بالخُشوع والوقارِ
فقد رأينا فرقةً إنْ ذَكَروا ******* تَبَدَّعوا وربّما قد كفروا
وفعلوا في الذكر فعلاً منكراً******* صعباً فجاهدهم جهاداً أكبرا
خلّوا من اسم الله حرف الهاء *******ألحدوا في أعظم الأسماء
لقد أتوا والله شيئاً إذا *******تخرمنه الشامخات هدا
والألف المحذوف قبل الهاء *****قد أسقطوه وهو ذو إخفاء
وزعموا أن لهم أحوالا *******وأنهم قد بلغوا الكمالا
والقوم لا يدرون ما الأحوال*******فكونها لمثلهم محال
حاشا بساط القدس والكمال*******تطؤه حوافر الجهال
والجاهلون كالحمير الموكفه*******والعارفون سادة مشرفة
وقال بعض السادة المتبعة *******في رجز يهجو به المبتدعة
ويذكرون الله بالتَّغْبِير ******* ويشْطَحون الشَّطح كالحمير
وينبحون النبح كالكلاب ******* طَريقُهم ليست على الصَّواب
وليس فيهم من فتى مطيع *******فلعنة الله على الجميع
قد ادَّعوا مراتباً جليلة ******* والشرع قد تجنَّبوا سبيله
قد نبذوا شرعة الرسولِ *******والقوم قد حادوا عن السبيلِ
لم يدخلوا دائرة الحقيقة ******* كلا ولا دائرة ا لطريقة
لم يقتدوا بسيد الأنام *******فخرجوا عن ملَّة الإسلام
لم يدخلوا دائرة الشريعة *******وأولعوا ببدعٍ شنيعة
لم يعملوا بمقتضى الكتاب *******وسنَّةِ الهادي إلى الصَّواب
قد مَلَكَت قلوبَهم أوهام *******فالقوم إبليس لهم إمام
¥