هو عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الأشمونيّ الأصل القاهريّ الشافعيّ المنهاجي نزيل الباسطية، وقيل له المنهاجي، لأنَّ جدَّه قدم من الأشمونيين قبل بلوغِه فحفظ القرآن والمنهاج في سنة فلُقِّب بذلك. ولد عبد الرحمن في ذي الحجةِ سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وأبوه غائبٌ بمكةَ فرأى في غيبتِه قائلاً يقول له: يُولد لك ذكرٌ فسمِّه عبد الرحمن، فلما قَدِم ووجدهم سمّوه بغيره، غيّره، ونشأ فحفظ القرآنَ والمنهاجَ وجمعَ الجوامع وألفيةَ النحو والتلخيصَ والشاطبيتين، ودرس الفقهَ وأخذ النحو عن العز عبد السلام البغدادي والأبذي وقرأ عليهما الألفية. وعلى أولهما الحاجبية مع المعاني والبيان وأصول الفقه، وحج وأقام بمكةَ عشرين سنة، ثم لما قدم تحَوّل إلى الباسطية ولزم الانجماع بها مع مزيد تقنّعه وتقلّله وعدم قبوله إلا نادراً. والغالبُ عليه سوءُ الطباع، مع فضل وفهم.
3 - القاضي زكريا الأنصاري:
هو زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا .. الأنصاري السنبكي القاهري الأزهري الشافعي القاضي، ولد سنة 826هبسنبكة من الشرقية، ونشأ بها، ثم رحل إلى القاهرة، وأخذ عن كثيرين، ولم ينفك عن الاشتغال على طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة والانجماع عن بني الدنيا مع التقلل، وشرف النفس، ومزيد العقل، وسعة الباطن، والاحتمال والمداراة، إلى أن أذِن له غيرُ واحدٍ من شيوخه في الإفتاء والإقراء.
قال عنه السخاويُّ: "وأصول الدين على العز المذكور ... والأبدي، وغيرهم، وعن كل مشايخه في أصل الدين أخذ النحو". وقال أيضاً بعد ذكره أحد شيوخه: "وعن من عداه من شيوخ الصرف أخذ المنطق وكذا عن و ... و ... والأبدي".
4 - ابن الأبشيهي:
هو محمد بن أحمد بن محمد بن موسى بن الشهاب المغراوي الأبشيهي الأصل القاهري المالكي، ولد سنة 834هبالقاهرة، ونشأ فحفظ القرآن وغيره، واشتغل في الفقهِ وغيره، وأخذ عن كثيرين منهم الأُبَّذي، وتميَّز، ووُصف بالشيخِ العلامة، النحرير الفهَّامة، المحقِّق الأمجد، مات سنة 898ه.
صفاته:
كان الأبذي متواضعاً، بشوشاً، رضياً، مُجَابَ الدعوة حتى قيل إنه
لكثرة ما كان يرى من تهكّم الشباسي بالطلبة، بل وبالشيوخ، دعا عليه، فابتُلي بالجذام، كما كان عديم التردد لبني الدنيا، بعيداً عن الشر.
مؤلفاته:
قال السخاوي عن الأبذي: "كتب بخطِّه أشياءَ، بل درَّب زوجته نفيسه، وكانت تكتُب له أيضاً":. ولكن لم تورد كتبُ الطبقاتِ القليلةُ التي ترجمت له إلا نزراً يسيراً عن مؤلفاته. ومن تلك المؤلفات:
1 - كتاب الحدود في علم النحو الذي نحن بصدد تحقيقه. وذكر السخاوي أنه في إرشاد المبتدئين، وأثنى عليه بأنه نافع.
2 - شرح على كتاب إيساغوجي في علم المنطق، وقد قرَّظه السخاويُّ بأنه مفيد.
مكانته العلمية:
تبوأ الأُبذَّي مكانةً رفيعةً ومنزلةً عاليةً بين علماءِ عصرهِ، لأنه حصَّلَ معظمَ العلومِ وتقدَّم فيها.
قال عنه السخاويُّ: "تقدَّم في العلوم سيما العربية".
وقد عدَّد السخاويُّ تلك العلوم، فذكر العربيَّةَ، والصرفَ والعروضَ والمنطقَ والفقه.
فكان شيخاً من شيوخ العربية والصرف، يُؤخذ عنه هذا العلم. قال السخاويُّ: "وكنتُ ممن أخذ عنه العربية وغيرها".
وجاء في ترجمة تلميذيه القاضي زكريا الأنصاري والأشموني أن ممن أخذا عنه النحو الأبذي وقد قرأ عليه الثاني الألفية.
ولا أدلَّ على معرفته بالعربيةِ والصرفِ من وضعه كتاب الحدود، وقد وصفه السخاوي بأنه نافعٌ كما مَرّ بنا.
وكان إماماً في علم المنطق، ويشيرُ إلى إحاطته بهذا العلم وضعُه شرحاً على أحد كتبِ المناطقةِ، فوضع شرحاً على إيساغوجي، وتصدَّى لتدريسِ
علمِ المنطق كما تقدَّم، وقال عنه عمر رضا كحاله: "عالمٌ بالمنطق".
ويوميء إلى تبحره في الفقه أنه طلب منه القضاء فاعتذر عنه.
ويكفي للإشارة إلى علمه بأصول الدين أن القاضي زكريا الأنصاري درس على يديه هذا العلم كما تقدّم.
ولا شك أن رحلاتهِ في سبيل طلب العلم وتطوافه وتجواله بين حواضر العلم، ومنابره في ذلك الوقت، وانتقاله من بلدٍ لآخر، صقل شخصيّته العلميّة وجعله من متنوّعي الثقافة ومتعدّدي التخصّصات، فقد انتقل كما هي عادة علماء الأندلس إلى بلاد المشرق لينهل من مواردِ العلم.
¥