تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" ويستنيب العاجز من يرمي عنه، ولا يسقط عنه الدم برمي النائب، وفائدة الاستنابة سقوط الإثم، فيتحرى العاجز وقت الرمي عنه ويكبر لكل حصاة، كما يتحرى وقت دعاء نائبه ويدعو، وأعاد الرمي إن صح قبل الفوات الحاصل بالغروب من اليوم الرابع، فإن أعاد قبل غروب الأول فلا دم، وبعده فالدم "

أما عن ضيق الوقت وعدم اتساعه، فليس الأمر كذلك، لأن جمهور العلماء على جواز الرمي في الليل، إلى طلوع الفجر، فيكون وقت الرمي من زوال الشمس إلى طلوع فجر اليوم التالي، وهذا وقت كاف جدا لرمي جميع الحجيج، والواقع خير شاهد على ذلك.

(11) القول بتوسعة الوقت للرمي، هو من المصالح المرسلة، الملائمة لمقاصد الشرع، بحيث لاتنافي أصلا من أصوله ولا دليلا من دلائله، ومتى عرضت حكمتها على العقول، تلقتها بالقبول، كيف وقد احتف بها أصل من المنقول.

والجواب: ـ

أن هذا الدليل لا يصلح هنا، لأن معنى المصلحة المرسلة لا يتفق مع ما ذكره الشيخ، إذ المصالح ثلاثة أنواع: ـ

(1) المصلحة المعتبرة: ـ وهي التي دل عليها دليل من الشرع باعتبارها.

(2) المصلحة الملغاة: ـ وهي التي دل عليها دليل من الشرع بإلغائها.

(3) المصلحة المرسلة: ـ وهي التي لا دليل على اعتبارها ولا إلغائها.

قال الزركشي في البحر المحيط معرفا المصلحة المرسلة: ـ

" أي سكت الشرع عن اعتباره وإهداره، وهو المعبر عنه بالمصالح المرسلة، ويلقب بالاستدلال المرسل، ولهذا سميت مرسلة أي لم تعتبر ولم تلغ "

فالقول بأن الرمي قبل الزوال من المصالح المرسلة لا يتفق مع تعريفها، وذلك لأن الأدلة قد دلت على عدم جوازالرمي قبل الزوال، فالمصلحة هنا ملغاة لا مرسلة ولا معتبرة.

(12) أن الفتوى تتغير بتغير الزمان، نظرا لاختلاف الأحوال، وتجدد حاجات الناس، ومعلوم أن الزحام في هذا الزمان أكثر وأشد من الزمان الماضي، ولذلك قلنا بتوسيع وقت الرمي.

والجواب: ـ

أن العبادات المؤقتة لايتغير وقتها بتغير الزمان، كالصلوات الخمس، والصيام، وغيرها من العبادات المؤقتة، قال ابن العربي: ـ

" كل عبادة مؤقتة بميقات، لا يجوز تقديمها عليه ".

ووقت الزوال هو الذي حددته الأحاديث الواصفة لفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فتغيير هذا الوقت ليس من اليسر في شيء، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن ليشرع لأمته ما يشق عليها، وهو الموصوف بقوله تعالى: ـ " بالمؤمنين رؤوف رحيم "، وقد حصل منه الإذن للضعفة بالدفع من مزدلفة آخر ليلة جمع، ولم يحصل لهم الإذن في رمي الجمار قبل الزوال، مع قيام مقتضى ذلك ـ وهو الزحام ـ مما يدل على أنه لا رخصة فيه.

لكن يتقوى هذا الدليل، بمراعاة الحنفية لحاجة الناس في يوم النفر الأول، حيث أجازوا الرمي فيه قبل الزوال، وعللوا ذلك بقولهم: ـ

" فلا بأس بأن يرمي في اليوم الثالث قبل الزوال، وذلك لرفع الحرج، لأته إذا نفر بعد الزوال، لا يصل إلى مكة إلا بالليل فيحرج في تحصيل المنزل"

فجعلوا حاجة الناس ودفع الحرج عنهم مناطاً للحكم، وسببا لجواز الرمي قبل الزوال، وهذا هو عين الدليل هنا.

(13) أن ما بعد الزوال هو وقت فضيلة، وما قبل الزوال وبالليل وقت إباحة، أشبه الوقوف بعرفة، فإن ما بعد الزوال إلى الغروب هو أفضل ما يوقف فيه، اقتداء بفعل رسول الله وفعل خلفائه وأصحابه، والليل كله إلى فجر يوم العيد وقت إباحة للوقوف، وإن لم يستمر عليه عمل الناس.

ونضيف على هذا الدليل إضافة أخرى توضحه وتقويه، فنقول: ـ

معلوم في مذهب الحنابلة أن وقت الوقوف بعرفة، من طلوع فجر عرفة، إلى طلوع فجر يوم النحر، قال البهوتي في دقائق أولي النهى: ـ

" ووقته ـ أي الوقوف بعرفة ـ من فجر يوم عرفة، إلى فجر يوم النحر " انتهى.

وقال في تعليل ذلك: ـ

" لأن ما قبل الزوال من يوم عرفة، فكان وقتا للوقوف كما بعد الزوال "

وأما الحنفية والمالكية والشافعية، فوقته عندهم يبدأ بعد الزوال

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير