تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقف إلا بعد الزوال، وانصرف بعد الغروب، ولم يقف إلى الفجر من يوم العيد، وقول الحنابلة بجواز الوقوف قبل الزوال، مع مخالفته لفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلافا للمذاهب الثلاثة، انبنى على قياس صحيح ـ كما نقلناه عن دقائق أولي النهى ـ وكأن فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندهم في بداية الوقوف بعرفة، لم يفد الوجوب، وإنما أفاد اختيار الأفضل، ومسألة رمي الجمار من هذا القبيل، فيكون حكم بداية الرمي فيه، كحكم بداية الوقوف في يوم عرفة، حملا لفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأفضلية عند القائلين بجوازه من الفجر، أو للوجوب عند القائلين بعدم جوازه إلا بعد الزوال، وكلا الرأيين مأخوذ من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لكن الخلاف حصل في حمله، فكما قبلنا الخلاف في بداية وقت جواز الوقوف بعرفة، فلنقبل الخلاف في بداية وقت جواز رمي الجمار، وهذا في الحقيقة دليل قوي، وإلزام معقول ومقبول، فالعقل الصريح يعطي حكم النظير لنظيره، بل أعمال الخلاف في الرمي أولى، لأن الجمهور يبطلون حج من اكتفى في الوقوف بعرفة على ما قبل الزوال، لكنهم لا يبطلون حج من رمى قبل الزوال لأنه يجبر عندهم بدم.

(14) أن هذه المسألة من مسائل الفروع الاجتهادية، يوضح ذلك أن الفقهاء من الحنابلة والشافعية قالوا: ـ إنه لو جمع الجمار كلها حتى جمرة العقبة يوم العيد فرماها في اليوم الثالث من أيام التشريق أجزأت أداء، لاعتبار أن أيام منى كلها كاليوم الواحد.

قال في المغني: ـ

" إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده، أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق، ترك السنة، ولاشيء عليه "

وقال أيضا: ـ

" ولنا أن أيام التشريق وقت للرمي، فإذا آخره من أول وقته إلى لآخره لم يلزمه شيء، كما لو أخر الوقوف بعرفة إلى آخر وقته , ولأنه وقت يجوز الرمي فيه، فجاز لغيرهم كاليوم الأول، قال القاضي: ـ ولا يكون رميه في اليوم الثاني قضاء، لأنه وقت واحد "

فمتى كان الأمر بهذه الصفة، وأن أيام منى كالوقت الواحد حسبما ذكروا، فإذاً لا وجه للإنكار على من رمى قبل الزوال والحالة هذه، فإن من أنكر الرمي قبل الزوال أو بالليل بحجة مخالفتها لفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعل أصحابه، وقال بجواز رميها مجموعة في اليوم الثالث، فإنه من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه، فإن رمي كل يوم في يومه ولو قبل الزوال أقرب إلى إصابة السنة، بحيث يصدق عليه أنه رمى في اليوم الذي رمى فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

وهذا الدليل والدليلين قبله والدليلين بعده، في الحقيقة من أقوى الأدلة التي يتوقف الذهن عندها، ويعلق ذو الفطنة بها، وقد تقدم قول الجويني: بجواز تقديم رمي يوم إلى اليوم الذي قبله، بناء على أن أيام منى كاليوم الواحد.

(15) حديث عبد الله بن عمر في صحيح البخاري، عن وبرة بن عبد الرحمن السلمي قال: ـ

" سألت بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ متى أرمي الجمار؟

قال: إذا رمى إمامك فارمه، فأعدت عليه المسألة، قال: ـ " كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا "

قال ابن حجر: ـ

" وكأن بن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير فيحصل له منه ضرر، فلما أعاد المسألة أخبره بما كانوا يفعلونه في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "

فهذا ابن عمر الذي هو أحرص الناس على اتباع السنة، قد أحال هذا السائل على اتباع إمامه فيه عند أول سؤاله، لعلمه بسعة وقته، ولو كان يرى أنه محدد بالزوال كوقت الظهر لما وسعه كتمانه، لأن العلم أمانة، ويبعد على ابن عمر بصفته محتهدا، فضلا عن كونه صحابيا أن يكتم الحق، لا سيما إذا كان فعل المخالف باطلاً.

والذي نرجحه أن الإمام كان يرمي في وقت مخالف لما عليه عمل الناس، وإلا لما سأل وبرة ابن عمر عن وقت الرمي، ولما خاف عليه ابن عمر ضررا من الأمير، و في الأثر الذي رواه الفاكهي في أخبار مكة عن عمرو بن دينار مايدل على أن إمام الحج الذي خالف ابن عمر هو ابن الزبير، وأنه كان يرمي قبل الزوال، قال عمرو بن دينار: ـ

" ذهبت أرمي الجمار فسألت: ـ هل رمى ابن عمر؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير