تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومراعاة الخلاف تقتضي عدم تجهيل المخالف أواتهامه ببطلان عمله في ذاته، ولكن يقال له: عملك هذا باطل عندنا، لأنه يخالف الفعل الواجب في نظرنا، وإن كان صحيحاً عندك، وقد كان هذا هو منهج الأئمة ـ رحمهم الله ـ حيث كانوا يقولون: ـ قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ولذلك قل الشقاق بينهم، وعذر بعضهم بعضا فيما أداه إليه اجتهاده، وسنذكر مثالاً على ذلك، من خلال جواب لابن حجر الهيتمي الشافعي ـ رحمه الله ـ، على سؤال وجه إليه، وهذا نصه: ـ

" وسئل رحمه الله تعالى بما صورته: ذكر الإمام النسفي الحنفي في المصفى، أنه يجب علينا إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفنا في الفروع أن نجيب، بأن مذهبنا صواب يحتمل الخطأ ومذهب مخالفنا خطأ يحتمل الصواب، أي بناءً على أن المصيب في الفروع واحد، وغيره مخطئ مأجور. فهل صرح أصحابنا بمثل ذلك؟ وهل منعهم الاقتداء بالمخالف حيث ارتكب مبطلا مقتض لذلك؟، وهل يسوغ للمفتي أن يفتي بمذهب مخالفه؟، وذلك بأن يفتي الحنفي بعدم وجوب الزكاة في مال موليه، أو ليس له ذلك؟، بل ولا بالوجه الضعيف المرجوح عند الشيخين، ويقال: إن بيان الحكم للمستفتي المخالف بنحو ذلك، إنما هو من الرواية وحكاية مذهب الغير، لا الإفتاء المتوقف على الاعتقاد، تفضلوا ببيان ذلك، وبسط الكلام ونقل مالهم فيه تصريحا وتلويحا فإن المقام قد يخفى على كثير حتى توهم بعض المتفقهة أن القول بخطأ المخالف، واعتقاد بطلان صلاته مناف لكونه على هدى من ربه عز وجل. فأجاب: ـ نفعنا الله تعالى به بقوله: ـ

(نعم صرح أصحابنا بما يفهم ذلك لا بقيد الوجوب الذي ذكره ففي العدة لابن الصباغ: ـ كان أبو إسحاق المروزي وأبو على الطبري يقولان: ـ إن مذهب الشافعي ـ رضى الله عنه ـ وأصحابه أن الحق في واحد، إلا أن المجتهد لا يعلم أنه مصيب وإنما يظن ذلك. أ. هـ

وإذا كان المجتهد لا يعلم الإصابة وإنما يظنها، فمقلده أولى، ومعلوم أن الظن يقابله الوهم وهو احتمال الخطأ، فنتج أن المجتهد يظن إصابته ويجوز خطأه وأن مقلده كذلك، وحينئذ يلزم ما ذكره عن النسفي.

ومما يصرح بذلك أيضا، مراعاة الشافعي ـ رضى الله عنه ـ وأصحابه خلاف الخصوم في مسائل كثيرة، فذلك تصريح منهم بأنهم أنما يظنون إصابة ما ذهب إليه إمامهم، وأنهم لا يقطعون بخطإ مخالفيه، وإلا لم يراعوا خلافهم، فلما راعوه علم أنهم يجوزون إصابته الحق، وإن كان الأغلب على ظنهم أن الحق هو ماذهب إليه إمامهم، وماأحسن قول الزركشي: قد راعى الشافعي ـ رضي الله عنه ـ وأصحابه خلاف الخصم في مسائل كثيرة، وهذا إنما يتمشى على القول بأن مدعي الإصابة لايقطع بخطإ مخالفه، وذلك لأن المجتهد لما كان يجوز خلاف ماغلب على ظنه، ونظر في متمسك خصمه، فرأى له موقعا راعاه على وجه لايخل بما غلب على ظنه، وأكثر من باب الاحتياط والورع، وهذا من دقيق النظر والأخذ بالحزم.

قال القرطبي: ـ

ولذلك راعى مالك ـ رضي الله عنه ـ الخلاف، قال: وتوهم بعض أصحابه أنه يراعي صورة الخلاف، وهو جهل أو عدم إنصاف، وكيف هذا وهو لم يراع كل خلاف، وإنما راعى خلافا لشدة قوته " أ هـ.

هذا جزء من جوابه، وفيه كلام آخر ردا على بعض الإشكالات والاعتراضات، ضربنا عنها صفحا، لدلالة المنقول على المقصود.

الثانية: ـ

وهو الخروج من الخلاف، فالخروج من الخلاف مستحب كما صرح بذلك الأئمة الكرام ـ رحمة الله عليهم أجمعين ـ، والخروج من الخلاف يكون بفعل الأحوط، والأحوط هو القول الأشد، قال الزركشي في المنثور: ـ

" يستحب الخروج من الخلاف، باجتناب ما اختلف في تحريمه، وفعل ما اختلف في وجوبه، إذا قلنا: ـ كل مجتهد مصيب، لجواز أن يكون هو المصيب، وكذا إذا قلنا: ـ إن المصيب واحد، لأن المجتهد إذا كان يجوز خلاف ماغلب على ظنه،ونظر في متمسك مخالفه،فرأى له موقعا،فينبغي له أن يراعيه "

وقال السبكي: ـ

" أفضليته ليست لثبوت سنة خاصة فيه، بل لعموم الاحتياط والاستبراء للدين، وهو مطلوب شرعا مطلقا،فكان القول بأن الخروج من الخلاف أفضل،ثابت من حيث العموم، واعتماده من الورع المطلوب شرعا "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير