تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد نظم هذه القاعدة بضوابطها العلامة / السيد أبي الأهدل اليمني الشافعي في الفرائد البهية في نظم القواعد الفقهية فقال: ـ

ومستحب الخروج يا فتى ***** من الخلاف حسبما قد ثبتا

لكن مراعاة الخلاف يشترط ***** لها شروط ولها الأصل ضبط

ألا يكون في الخلاف موقعا ***** ولم يخالف سنة لمن دعا

صحت وكونه قوي المدرك ***** لاكخلاف الظاهري إذ حكي

قال الجرهزي في شرح هذه الأبيات: ـ

" ذكر أئمتنا ـ رحمهم الله أجمعين، ونظمنا في سلكهم ـ هذه القاعدة، وقرروها وفرعوا عليها فروعا جمة، واستنبط التاج السبكي لها أصلا من الكتاب، وهو قوله تعالى: ـ (ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) ثم قال: ـ لايخفى أنه أمر باجتناب بعض ماليس بإثم، خشية الوقوع فيما هو إثم، فيكون الاحتياط حينئذ أن نجعل المعدوم كالموجود، والموهوم كالمتحقق انتهى، قلت: ـ دلائل الاحتياط الحملي كثيرة،كقوله تعالى (وخذوا حذركم) (ولياخذوا أسلحتهم) وكقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ (دع ما يريبك إلى مالا يريبك) "

ومن أبرز الأمثلة على هذا، ما ذكره الإمام الشافعي في كتابه الأم، حيث قال: ـ

" فللمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين، وذلك ستة وأربعون ميلاً بالهاشمي، ولا يقصر فيما دونها وأما أنا فلا أحب أن أقصر في أقل من ثلاث احتياطا على نفسي ". انتهى.

فهذا الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ يحتاط لنفسه فيترك القصر في المسافة التي رأي قيام الأدلة على صحتها، ويأخذ بالأحوط، خروجا من الخلاف.

قال الزركشي في المنثور: ـ

" أفتى فيما قامت الدلالة عنده عليه، ـ أي من مرحلتين ـ ثم أحتاط لنفسه اختياراً لها ". ا هـ.

وقد ذكر في كتب الفروع كثيراً من الأمثلة على ذلك، منها ما كرره ابن قدامة مرا راً في المغني، فقال في أحدها: ـ

" والغسل لكل صلاة أفضل ـ يعني للمستحاضة ـ لما فيه للخروج من الخلاف، والأخذ بالثقة والاحتياط ". ا هـ.

وقال عزالدين بن عبد السلام في قواعد الأحكام: ـ

" والعزيمة أفضل خروجاً من خلاف العلماء ". ا هـ.

وقال النووي في المجموع: ـ

" قال الشافعي والأصحاب: ـ يستحب غسل النزعتين مع الوجه، لأن بعض العلماء جعلهما من الوجه فيستحب الخروج من الخلاف" ا هـ.

وقد ذكر النووي هذه القاعدة في مواقع كثيرة من المجموع، يضيق المقام هنا عن حصرها.

وقال ابن الهمام في فتح القدير: ـ

" والأفضل أن يكون قد حج عن نفسه حجة الإسلام، خروجاً من الخلاف ـ يعني خلاف من يرى أنها لاتجزىء ـ ". أ هـ.

وحتى لا تكون هذه القاعدة بابا لمخالفة الدليل، فقد وضع العلماء لها شروطاً وضوابط، نلخصها فيما يلي: ـ

الأول: ـ ألا يوقع مراعاته في خلاف آخر. (ووقوعه في مسألتنا بعيد)

الثاني: ـ أن لا يخالف سنة ثابتة. (ولا توجد سنة ثابتة هنا يخشى من مخالفتها، بل المسألة موضع اجتهاد)

الثالث: ـ أن يقوى مدركه بحيث لا يُعد هفوة. (وقد تقدمت أدلة القول بالجواز، وظهرت قوتها)

الرابع: ـ أن لا تؤدي مراعاته إلى خرق الإجماع. (وليس في مسألتنا إجماعا كما قدمنا)

الخامس: ـ يضعف الخروج من الخلاف إذا أدى إلى المنع من العبادة. (وليس في مسألتنا منعا من العبادة)

السادس: ـ أن يكون الجمع بين المذاهب ممكناً. (والجمع بين المذاهب هنا ممكن)

وببيان هاتين النقطتين يتضح لنا أن الأحوط ترك الرمي قبل الزوال خروجاً من الخلاف، مع مراعاة القول المخالف لاحتمال كون الصواب معه، فدليل قوله له حظ من النظر، فكان حرياٍ بأن يعتبر، فلا نصفه بالشذوذ، أوالابتداع، ولا نبطل عمله في ذاته، وإن كان باطلا عند القائل بعدم الجواز، وهذا هو مقتضى فقه الخلاف، كما مضى بيانه.

والأولى ألا يلجأ الحاج إلى رمي الجمار قبل الزوال إلا عند الحاجة إلى ذلك، أخذا بالأحوط، وعملا بالقاعدة المتقدمة.

** المبحث الخامس **

** اليوم الثاني من أيام التشريق **

وهو اليوم الثاني عشر من ذي الحجة، أو يوم النفر الأول وقد اختلف العلماء فيه على مذاهب أيضاً: ـ

المذهب الأول: ـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير