أكمل "ديدات" تعليمه في المرحلة الابتدائية، لكنه عند نهاية السنة الثانية من المرحلة المتوسطة، توقف عن التعليم واضطرته ظروف الحياة إلى البحث عن عمل لكسب قوته ومساعدة أسرته، فلم يجد سوى ذلك الحانوت الصغير ليعمل به نظير أجر شهري. وقطع ديدات صلته تماماً بالمدرسة، وانهمك في عمله، ولم يكن يدري أن ذلك الحانوت الصغير سيكون بمثابة جامعة كبرى، فقد بدأ في شراء نسخ من الأناجيل المتنوعة، وانهمك في قراءاتها ثم المقارنة بين ما جاء فيها فاكتشف تناقضات غريبة وأخذ يسأل نفسه: أي من الأناجيل هذه أصح؟ وواصل وضع يده على التناقضات وتسجيلها لطرحها أمام أولئك الذين يناقشونه بحدة كل يوم في الحانوت.
رفاق على طريق الدعوة
يبدو أن ديدات حين كبر وأصبح شاباً يافعاً واتسعت ثقافته ونضج فكره وواصل تعليم نفسه .. أدرك حينئذ أن خير وسيلة للدفاع عن الإسلام هي الهجوم .. وذات يوم تعرف ديدات على صديق عمره الأول "غلام حسن فنكا" من جنوب أفريقيا الحاصل على الليسانس في القانون والذي يعمل في تجارة الأحذية، وقد جمعت بين الرجلين صفات عديدة .. أهمها: رقة المشاعر .. والاهتمام بقضايا الإسلام.
التقى "غلام" مع ديدات في رحلة البحث والدراسة والقراءة المتعمقة في مقارنات الأديان، وساعد ديدات كثيراً في التحصيل العلمي وصقل الذات.
وفى تلك الآونة كانت ملكة المناظرة قد نضجت لدى أحمد ديدات من خلال مناقشاته اليومية التي تطورت إلى مناظرات على نطاق ضيق مع القساوسة في مدن وقرى صغيرة داخل جنوب أفريقيا، وحين أصبحت الدعوة تملك "غلام" قرر التفرغ تماماً عام 1956، واتفق الرجلان في نفس العام على تأسيس "مكتب الدعوة" في شقة متواضعة بمدينة ديربان، ومنه انطلقا إلى الكنائس والمدارس المسيحية داخل جنوب أفريقيا حيث قام أحمد ديدات بمناظراته المبهرة والمفحمة.
لقد جاب البلاد بطولها وعرضها ومعه رفيق دربه "غلام" وأحدث اضطرابًا في الوسط الكنسي ومن ثم المجتمع كله، وهز مفاهيم ومعتقدات راسخة ومقدسة واستطاع تغييرها، وأحدث ثغرة داخل الكنيسة بعد أن تحول المئات بإرادتهم إلى الإسلام إثر حضور مناظراته أو بعد زيارته في مكتبه الذي تحول إلى منتدى للزائرين والوافدين من كل مكان.
كيب تاون .. أم أحمد ديدات تاون؟!!
ثم تعرف ديدات بعد ذلك على "صالح محمد" وهو من كبار رجال الأعمال المسلمين، وكيب تاون مدينة ذات طبيعة خاصة، حيث تتميز بكثافة سكانية إسلامية عالية، لكن أوضاع المسلمين ليست على ما يرام، وبالمقابل تتميز بأغلبية قوية ومنظمة جدًّا من المسيحيين، بالإضافة إلى أنها ذات موقع مهم ولها أهميتها التجارية والسياسية.
لكل هذه الأسباب قام "صالح محمد" بدعوة "ديدات" لزيارة المدينة، حيث رتب له أكثر من مناظرة مع القساوسة في المدينة، ولكثرة عددهم ورغبتهم في المناظرة فقد أصبحت إقامة ديدات في كيب تاون شبه دائمة، وتمكن ديدات من خلال مناظراته أن يحظى بمكانة كبيرة بين سكانها جميعاً الذين تدفقوا على مناظراته حتى أصبح يطلق على "كيب تاون" .. أحمد ديدات تاون!!
وهكذا صار غلام حسن وصالح محمد ملازمين لديدات في حله وترحاله، وأصبح الرجلان يمثلان جناحي طائر ينطلق به إلى الفضاء محلقاً في جولات ناجحة ومناظرات فتحت عشرات الآلاف من القلوب والعقول للإسلام فاهتدت إليه، الجناح الأول: غلام حسن الذي لازمه في البحث والدراسة والقراءة فكان كمزود الوقود.
والجناح الثاني: صالح محمد الذي تولى ترتيب المناظرات من الألف للياء متحملاً كل الأعباء، فكان كممهد الطريق أمام ديدات.
التواضع .. أقصر طريق إلى القلوب
إن أهم ما يتمتع به ديدات "تواضعه" .. ورغم ما حققه من شهرة واسعة، فقد ظل محتفظاً بتواضعه وبساطته في كل شيء بدءًا من ملبسه حتى سيارته الصغيرة من طراز (فولكس فاجن) القديم، وكل من عايشه أو تعامل معه عن قرب انتبه إلى هذا الملمح فيه؛ ما ساعده على نجاح دعوته وجذب الناس إليه، بالإضافة إلى ذكائه الاجتماعي فهو دقيق الملاحظة، لا يترك شاردة ولا واردة إلا لاحظها بدقة وتوقف عندها.
¥