زيارة الداعية أحمد ديدات.
كان أول لقاء سجل في برنامج زيارتي لمدينة دربن، الاجتماع بالأخ (يوسف بن الداعية أحمد ديدات) في مركز الداعية في وسط مدينة " دربن " للإطلاع على نشاط المركز، وأخذ معلومات عن والده، ثم القيام بزيارة والده الذي يلازم سريره منذ ما يقارب ثلاث سنوات.
وذهبنا إلى المركز مبكرين ولم نجد الرجل، فاتصل به موظفو المكتب وأخبروه أن الضيف السعودي في انتظارك، فقال لهم: أنا في الطريق إليكم.
وجاءنا المحاسب – وهو شاب طويل القامة – وأخذنا للاطلاع على مكاتب المركز، وكان أول مكتب وقف بنا عليه هو مكتب الداعية أحمد ديدات الذي كان يدير منه المركز ونشاطه، ثم مررنا على بقية مكاتب المركز الأخرى.
وبعد قليل قال لنا المحاسب: الأخ يوسف ينتظركم في الأسفل، وظننت أن له مكتبا في أحد الطوابق السفلى سنجتمع به فيه، ولكنه كان ينتظرنا بسيارته في الشارع.
صافحني وأشار لي بالركوب إلى جانبه، وركب الأخوان "حسن " المغربي الذي كان يرافقني للترجمة، والسائق يوسف في المقعد الخلفي، وأخذ ينهب الطريق بسيارته نهبا، كانت سرعته مخيفة!
وكانت المسافة من مدينة دربن إلى القرية التي يسكن فيها الداعية أحمد ديدات تزيد عن خمسين كيلا، وتسمى: " فير ولام VERULAM " تقع في شمال شرق مدينة دربن.
في منزل الداعية أحمد ديدات.
وقفنا في خارج مقصورة الشيح ودخل الأخ يوسف ولد الداعية يستأذن لنا بالدخول.
دخلنا على (الداعية أحمد ديدات) وهو مستلق على سريره الصحي، ولا يبدو على وجهه أثر المرض، ولكنه لا يحرك إلا جفني عينيه، وقد يحرك رأسه، وحدق بعينيه في وجهي، ولم يكن يصرف نظره غالب الوقت الذي قضيته واقفا أمامه.
وقد مضى للشيخ على حالته هذه ثلاث سنوات ونصف السنة.
الداعية يسمع ويفهم ويحاور!
لم يمنع الداعية مرضه الطويل الذي أقعده من سماع الكلام، وفهمه بالرموز التي يخاطبه بها ابنه، والموافقة على ما يقال له برفع جفنيه، أو المخالفة لذلك عن طريق تحريك رأسه يمينا ويسارا، وإظهار السرور بالضحك المسموع، وإظهار حزنه بالبكاء كذلك.
ولقد فتح جفنيه مصوبا عينيه إلى وجهي عندما قال له ابنه: هذا فلان جاء من المدينة المنورة، ورغب في زيارتك، ثم رفع صوته بالبكاء حنينا على المدينة المنورة!
وقلت له: لقد أديت واجبك في الدفاع عن كتاب ربك، وبينت باطل الكتابين المحرفين، واستفاد منك كثير من الدعاة في هذا الباب، كما هدى الله بك من أراد من غير المسلمين، لذلك نرجو أن يجزل الله لك الثواب وأن يحسن خاتمتك. فرفع جفنيه مؤمنا، ورفع صوته بالبكاء مشفقا.
وقال ابنه: إن قسس النصارى يزورون والدي – وهو على هذا الحال -ويلحون عليه بأن يترك دينه، ويدخل في النصرانية، ولا يزوره المسلمون! وهو يرد عليهم قائلا: لئن فعلت ذلك لأفتحن باب فتنة على الإسلام والمسلمين، وأخبر والده بما قال لي، فرفع صوته باكيا.
وقلت له: لو كانت هذه الدعوة النصرانية موجهة لمسلم عاقل – ولو كان غير عالم – لرجونا له، وهو في هذه الحالة أن يثبته الله على دينه، فكيف بمن أفنى حياته مبينا باطل هؤلاء القوم؟! إن رجاءنا له التوفيق أعظم! فرفع الداعية صوته ضاحكا مسرورا.
وقال لي ابنه: هل تريد أن تقول للوالد شيئا؟
قلت له بتكلف شديد باللغة الإنجليزية التي حفظت منها كُلَيماتٍ – ناطقا بكل كلمة على انفراد - رافعا صوتي: أسأل الله الذي جمعنا بك هنا في منزلك في الدنيا أن يجمعنا هنالك في الجنة، فرفع جفنيه مُؤَمِّناً، ورفع صوته باكيا حنينا إلى الجنة.
وأعطاني يوسف ما يسمى بالإنجيل (ألبا يبل) – وفيه نص مترجم باللغة العربية – خلاصته: أن نوحا عليه السلام زنى – حاشاه – بابنتيه الصغرى والكبرى، وقال لي: اقرأه بصوت مرتفع ليسمع أبي صوتك، ففعلت، وقلت بعد قراءتي: هذا النص وحده يكفي لنفور العقلاء من الإيمان بما في الكتابين الموجودين (العهدين) القديم والجديد، فرفع الداعية جفنيه مؤيدا، ورفع صوته ضاحكا مبديا سروره.
وقلت له: بماذا توصينا يا شيخ!
¥