[سد الذرائع وتحريم الحيل المفضية إلى محرم لابن القيم رحمه الله]
ـ[علي 56]ــــــــ[14 - 08 - 05, 09:39 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد:
فهذه رسالة قيمة جدا حول مبدأ سد الذرائع وتحريم الحيل المفضية إلى الحرام للإمام العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله جمعتها من كتابه القيم إعلام الموقعين ومن كتابه النفيس إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان
تكلم فيها حول هذا الموضوع الخطير والذي نحتاجه كل يوم
والسَّدُّ فِي اللُّغَةِ: إغْلَاقُ - الْخَلَلِ. وَالذَّرِيعَةُ: الْوَسِيلَةُ إلَى الشَّيْءِ يُقَالُ: تَذَرَّعَ فُلَانٌ بِذَرِيعَةٍ أَيْ تَوَسَّلَ بِهَا إلَى مَقْصِدِهِ , وَالْجَمْعُ ذَرَائِعُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: هِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْإِبَاحَةُ وَيُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى فِعْلٍ مَحْظُورٍ. وَمَعْنَى سَدِّ الذَّرِيعَةِ: حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ دَفْعًا لَهَا إذَا كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ وَسِيلَةً إلَى مَفْسَدَةٍ.
وقداخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ سَدِّ الذَّرَائِعِ وَاعْتِبَارِهَا مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ , وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهَا مِنْ أَدِلَّةِ الْفِقْهِ. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَأْتِي:
1 - قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} , قَالُوا: نَهَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ سَبِّ آلِهَةِ الْكُفَّارِ لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى , وَنَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ كَلِمَةِ (رَاعِنَا) بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا اُنْظُرْنَا} لِئَلَّا يَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً لِلْيَهُودِ إلَى سَبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ كَلِمَةَ (رَاعِنَا) فِي لُغَتِهِمْ سَبٌّ لِلْمُخَاطَبِ.
2 - قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: {دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك}. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: {الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ , فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ , وَمَنْ وَقَعَ فِي الْمُشَبَّهَاتِ كَانَ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى , أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ}. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّ أَبْوَابَ الذَّرَائِعِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَطُولُ ذِكْرُهَا وَلَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا.
3 - إنَّ إبَاحَةَ الْوَسَائِلِ إلَى الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ الْمُفْضِيَةِ إلَيْهِ نَقْضٌ لِلتَّحْرِيمِ , وَإِغْرَاءٌ لِلنُّفُوسِ بِهِ , وَحِكْمَةُ الشَّارِعِ وَعِلْمُهُ يَأْبَى ذَلِكَ كُلَّ الْإِبَاءِ , بَلْ سِيَاسَةُ مُلُوكِ الدُّنْيَا تَأْبَى ذَلِكَ , فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ مَنَعَ جُنْدَهُ أَوْ رَعِيَّتَهُ مِنْ شَيْءٍ , ثُمَّ أَبَاحَ لَهُمْ الطُّرُقَ وَالْوَسَائِلَ إلَيْهِ , لَعُدَّ مُتَنَاقِضًا , وَلَحَصَلَ مِنْ جُنْدِهِ وَرَعِيَّتِهِ خِلَافُ مَقْصُودِهِ. وَكَذَلِكَ الْأَطِبَّاءُ إذَا أَرَادُوا حَسْمَ الدَّاءِ مَنَعُوا صَاحِبَهُ مِنْ الطُّرُقِ وَالذَّرَائِعِ الْمُوَصِّلَةِ إلَيْهِ , وَإِلَّا فَسَدَ عَلَيْهِمْ مَا يَرُومُونَ إصْلَاحَهُ.
¥