والثالث: أمره إيّاه بترك الغزو للحج مع امرأته، ولو جاز لها الحج بغير محرم، أو زوج لما أمره بترك الغزو، وهو فرض للتطوع وفي هذا دليل أيضاً على أنّ حج المرأة كان فرضاً ولم يكن تطوعاً، لأنّه لو كان تطوعاً لما أمره بترك الغزو الذي هو فرض لتطوع المرأة، ومن وجه أخر وهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأله عن حج المرأة أفرض هو أم نفل وفي ذلك دليل على تساوي حكمهما في امتناع خروجها بغير محرم فثبت بذلك أنّ وجود المحرم للمرأة من شرائط الاستطاعة "
وقال ابن قدامة في (المغني 5/ 30): " فمن لا محرم لها لا تكون كالرجل فلا يجب عليها الحج، وقد نصّ عليه أحمد فقال أبو داود قلت لأحمد: امرأة مُوسرة، لم يكن لها محرم، هل يجب عليها الحج؟ قال: لا .. "
أدلة القول الأول:
استدل المانعون من سفر المرأة إلى الحج بلا محرم سوء كان فريضة أو تطوعاً بعموم الأدلة المانعة من السفر بلا محرم وقد تقدم ذكر طرف منها، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين سفر الحج وغيره، ولأنّ المحذور في سفر المرأة بلا محرم موجود في كل أسفارها وإن كان للحج.
ويضاف لأدلة العموم ما رواه الدارقطني بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما (2/ 223) " أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إنّ امرأتي خرجت حاجة، وإنّي اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحجّ مع امرأتك)) ([1]).
قلت: وهو نصٌّ في اشتراط المحرم في سفر الحج، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبه أنّ يحلق بامرأته رغم أنّه قد اكتتب في غزوة جهادية في سبيل الله ولو لا وجود المحرم لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالتخلي عن ذروة سنام الإسلام – وهو الجهاد – لأمر ليس بواجب!
القول الثاني:
أجاز بعض أهل العلم للمرأة الحج بلا محرم لكنّ بعض عباراتهم تدل على تقييد وليس بإطلاق.
قال مالك في (الموطأ 1/ 425): " الصَرُورَة [2] من النساء التي لم تحج قط أنها إن لم يكن لها ذو محرم يخرج معها أو كان لها فلم يستطع أن يخرج معها أنها لا تترك فريضة الله عليها في الحج، لتخرج في جماعة النساء "
وقال الشافعي في (الأم 2/ 117): " وإن كان فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنّ السبيل الزاد والراحلة وكانت المرأة تجدهما وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة فهي ممن عليه الحج عندي – والله أعلم – وإن لم يكن معها ذو محرم لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيما يوجب الحج إلا الزاد والراحلة وإن لم تكن معها حرة مسلمة ثقة من النساء فصاعداً لم تخرج مع رجال لا امرأة معهم ولا محرم لها منهم.
وقد بلغنا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير مثل قولنا في أن تسافر المرأة للحج وإن لم يكن معها محرم "
وقال النووي في شرحه على مسلم (9/ 98): " جواز حج المرأة بلا محرم إذا أمنت على نفسها وهو مذهبنا "
وهذا القول بعدم وجوب المحرم في الحج رواية عن أحمد – رحمه الله – قال صاحب المغني (5/ 30) " وعنه رواية ثالثة أنّ المحرم ليس بشرط في الحج الواجب.
قال الأثرم: سمعت أحمد يُسأل: هل يكون الرجل محرماً لأمّ امرأته، يخرجها إلى الحج؟
فقال: أما في حجة الفريضة فأرجوا، لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كلّ من أمنته وأما في غيرها فلا "
أدلة القول الثاني:
استدل المبيحون لسفر المرأة للحج الواجب بلا محرم بأدلة وهي:
1/ روى الدارقطني بإسناده (سند الدارقطني 2/ 215) عن جابر وبن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس وعائشة –رضي الله عنهم – أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة.
ووجه الدلالة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط المحرم.
2/ روى الترمذي (4084): عن ابن عمر رضي الله عنهما: " ... فقام رجل آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال الزاد والراحلة "
ووجه الدلالة كسابقه.
3/ روى الإمام أحمد عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " قال رجل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: " الزاد والراحلة " ووجه الدلالة كسابقه.
¥