تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بإسناد واحد بلفظين ".

فأما الكلام على الرواية بالمعنى وجوازها وضوابطها، فقد تقدم الكلام عنه في موضوع مستقل بعنوان " رواية الأحاديث بالمعنى هل أدخلت ضرراً على الدين " يمكن للقارئ مراجعته، ومع أن البخاري رحمه الله كان ممن يرى جواز الرواية بالمعنى، ولكن ليس في تلك العبارة أي دلالة أبداً على موضوع الرواية بالمعنى، بل كل ما فيها أنه كان يسمع الشيء ولا يكتبه حتى إذا وجد له مناسبة أو ترجمة لائقة به كتبه، وسكوته لا يدل على أنه رواه بالمعنى، وغاية ما يدلٌّ عليه جواز الاختصار في الحديث بذكر بعضه دون بعض كما هو شأنه في كتابه، يقطع الحديث الواحد في عدة أبواب مقتصراً في كل باب على ما يليق به كما تقدم.

وأما ما نقله عن الحافظ فهو أبعد ما يكون الرواية بالمعنى، ولم يسقه الحافظ رحمه الله لهذا الغرض، وإنما ساقه في معرض الكلام عن حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن البخاري رواه مرَّة عن شيخه إبراهيم بن موسى بلفظ الجزم: " حتى إذا كان ذات يوم " من غير شك، ورواه هنا بالشك ولفظه: " حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة "، وقد ظن الحافظ أولاً أن الشك من البخاري، ثم ظهر له أن الشك من شيخ شيخه عيسى بن يونس، وإليك كلام الحافظ ابن حجر حيث قال بعد أن ذكر الروايتين وتحقيق أن الشك ليس من البخاري: " فيحمل الجزم الماضي على أن إبراهيم بن موسى شيخ البخاري حدَّثه به تارة بالجزم، وتارة بالشك، ويؤيده ما سأذكره من الاختلاف عنه، ثم قال: وهذا من نوادر ما وقع في البخاري أن يخرج الحديث تاماً بإسناد واحد بلفظين "، وهكذا يتبين لنا الافتراء على البخاري، وعلى الحافظ، وخطف الكلام من غير تثبت وتحر.

البخاري ومسلم والإفراط في الطائفية

ومما ذكر على أنه من الأدلة التي تدل على عدم الوثوق بالصحيحين وعدم اعتبار صحة جميع ما ورد فيهما، ما أسماه بالتطرف الطائفي المفرط، والتعصب الشديد عند مؤلفيهما، ومن شواهد ذلك كما يزعمون إخفاء كثير من المناقب والفضائل للإمام علي رضي الله عنه، والتي ورد ذكرها في كتب السنة الأخرى، وعدم الاحتجاج بأئمّة أهل البيت، في مقابل الاحتجاج بمن عرف بعدائه لهم كالخوارج وغيرهم.

ولتجلية هذا الأمر ينبغي أن يُعْلم أن القضية عند صاحبي الصحيح لم تكن قضية طائفية ولا تعصب، ولا مداراة ومداهنة، ولكنها قضية شروط اشترطها كل منهم في كتابه، وفي الرجال الذين يخرج لهم، ولذلك التزموا بها، ولم يحيدوا عنها، بخلاف غيرهم ممن لم يلتزم الصحة كأصحاب السنن والمسانيد، فربما تساهلوا بعض الشيء ولا سيما في الفضائل، وهذا هو السرُّ في أن الإمام أحمد رحمه الله خرَّج في فضائل علي أكثر مما خرَّجه البخاري و مسلم في صحيحيهما، كما أن صاحبا الصحيح لم يلتزما بإخراج كل حديث صحيح، ولا إخراج أحاديث كل الثقات حتى يُلزَما بذلك.

ومما يدفع هذه الفرية عن الإمامين أنهما أخرجا أحاديث كثيرة في فضائل علي وآل البيت رضي الله عنهم تعتبر من أصح الأحاديث في هذا الباب، فقد ذكر كل منهما في صحيحه باباً لفضائل عليٍّ، وبابًا لفضائل الحسن و الحسين.

وذلك كقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)، وقوله - عليه الصلاة والسلام - في حصار خيبر: (لأُعطين الرَّاية غدًا رجلاً يُحبه الله ورسوله، أو يحب الله ورسوله)، ثم بعد ذلك أعطاها لعلي ففتح الله عليه، ومثل ما رواه البخاري في قصة بنت حمزة، واختصام علي وجعفر وزيد بن حارثة فيها، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي: (أنت منِّي وأنا منك)، ومثل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عليٍّ نفسه قال: " والذي فلق الحبةَ وبرأ النَّسمة إنه لعهدُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أن لا يحبَّك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)، وله شاهد من حديث أم سلمة - رضي الله عنها - عند الإمام أحمد.

وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - غداةً وعليه مُرْطٌ مرَحَّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة، فأدخلها ثم جاء علي فأدخله، ثم قال {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير