تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

منذ أن انتقلت إلى الرياض أوائل عام 1381هـ سكنت عشرة بيوت بالأجرة ما بين سعة وضيق وغلاء ورخص حسب تقلبات السوق وقدرتي المالية، وكان الوالد عمر ـ رحمه الله ـ يقرع أذني دائماً: بأن الذي لا يملك بيتاً طُرُوديّ .. وكلما زادت رعيتي وكبرت مكتبتي ازداد وجل الوالد، لما يراه من كثرة تنقلي، فكل عام لي جار، والكتب والأثاث في تكسر وتمزق وفقدان، وكان إذا قال وتكاسل عن النوم في غرفته يكون رأسه ـ رحمه الله ـ إلى دولاب كتب ورجلاه إلى دولاب آخر .. وأصبح الناس يتطاولون في البنيان من بيوت طين إلى «فلل»، والأسعار تقفز، وينتصف العام الثاني قبل أن أدفع أجرة العام الأول .. وكثيراً ما تركت البيت إلى بيت آخر لهذا السبب .. أما التوفير لشراء سكن فليس في النية، فلما رأى الولد ذلك قال: ياولدي: لا يأس من فضل الله، ولكنك لن تملك بيتاً إلا بقدر إلاهي (2)، فاكشط (3) كل ما جاك والرزق على الله .. وكانت أمنيته ـ رحمه الله ـ أن أملك بويت طين كبير به حُويّط مسوّر على عدد من النخيلات!

قال أبوعبدالرحمن: وقد ألمحت في التباريح إلى بعض أعباء الدار .. إلا أن أعجب عجائبي الكثيرة بويت شعبي أظنه 500م على هيأة (فلة)، ولكنه بالخشب ذات الحز ولبن (البلك) دون صبات حديد .. وكانت أجرته لا تتعدى عشرة آلاف ريال بالفاخرية، فاستأجرته مضطراً بخمسة عشر ألف ريال، لقربه من عملي بوزارة الشؤون البلدية والقروية، ولأن من جيراني بعض المشايخ الفضلاء كالشيخ العبودي والجنيدل .. وخلال هذا العام قفزت الأجرة قفزة مذهلة، وقبل نهاية العام بأيام جاءني المالك بعد العشاء وقد سمر عندي بعض الأصدقاء ـ وفيهم زميل ثري ـ يأذنني بالخروج فكان ذلك كوقع الصاعقة، لأنني لم أسدد النصف الثاني، وليس عندي شيئاً لأجرة العام القادم، فقلت له: أنا آخذه بعشرين ألف ريال .. فقال: أنت لم تدفع القسط الحالّ وهو أقل، فكيف تدفع هذا المبلغ .. فتماسكت، وقلت: أدفع الأجرة كلها مع القسط الحال مقدّما .. فمجمج ريقه، وقال: بشرط أن تأذن لي بتعمير الحوشين من الجهتين ملاحق، لأقوم بتأجيرهما، وأجعل لك باباً ومدخلاً مستقلاً!! فأخذت الحمية الحضور ـ ولاسيما الرجل الثري ـ وقال: تخسأ .. إن أراد أبوعبدالرحمن البقاء فالمستأجر لا يخرج إذا دفع أجرة المثل، والدولة نظمت ذلك، وإلا يرزقه الله أبرك من بيتك .. ومع كثرة التوجّع لي آذنته بالخروج ظاناً أنه سيدعمني مالياً، فخرجت، ولم أجد منه عوناً، فيممت شطر الجفرة .. وما أدراك ما الجفرة؟! .. أما صاحبي فقد دلفت إلى بيته بعد أشهر بدافع حب الاستطلاع، فوجدته ثلاث صفات مظلمة يفصل بينهما ثلاثة مناور ضئيلة، ولن يفيد منه منذ استقرار الأجور إلا بعد مساواته بالأرض .. قاتل الله الحرص والطمع .. {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.

الهوامش:

(1) التزمت اجتهادي في الرسم تيسيراً وبعداً عن كثرة الأوجه المشتتة للذهن وهي غير معتبرة فكرياً، ودعامة اجتهادي أن الهمزة علامة حرف لا حرف، وأن الحرف هو الألف، وأنها ألف مهموزة، وألف مسهلة، وألف مدّ هاو .. وأن الحرف لابد من استكمال صورته مع علامته إن كان مهموزاً، لأن ما ينطق يكتب، ولا يعدل عن ذلك إلا برمز معتبر كعلامة التلوين بدلاً من كتابة اللون، والشدة بدلاً من تضعيف الحرف .. أو يعدل بمسوغ معتبر رجحاناً مع وجود دليل التصحيح .. والرسم المعتاد (أعباء) سوّغوا ذلك بكراهة توالي ألفين .. وهذا تسويغ غير معتبر، لأن تشويه صورة الحرف أشد كراهية من توالي ألفين.

(2) الرسم المعتاد (إلهي)، فإن طاوع الطبع رسموا ألفاً صغيرة بين اللام والهاأ .. ولا مسوغ لذلك ألبتة، ولا لبس مع (إلاّ) الاستثنائية، لأن التشكيل لما أشكل.

(3) وأقشط أيضاً .. وكلاهما كناية عن إنفاق ما في الجيب.

ـ[الاستاذ]ــــــــ[07 - 09 - 05, 10:33 م]ـ

صحبة السلطان وأعباء أشباه الضرات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير