تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[الاستاذ]ــــــــ[21 - 09 - 05, 07:15 م]ـ

اختلف المشرب .. ولم تشخ الموهبة

قال أبو عبدالرحمن: ليس من قدري أن أكتب عن تقصير مستشفاً، أو كثرة مطبّات في الشارع .. وقد بُلّغت عن الأستاذ الرائد الطيب صالح أنه يرى أن المطبات ظاهرة غير حضارية، وأن الذي لا يُحاسب إلا بمطبات متخلف .. مع أنني وجدت المطبات في لندن!!

ومشاربي العلمية مصهرجة القنوات: إما بتحقيق يعتمد على الأسلوب المباشر واللغة غير المجازية، وإلإحصاأُ الرياضي .. وإما سبح فكري، وهو أيضاً أبعد ما يكون عن اللغة المجازية وإنما يعتمد التعريف المِلحّ، والأمثلة، والتقسيم .. آخذاً باليمين قانون الهوية بإغداق الفروق الدقيقة، وآخذاً بالشمال قانون الوسط المرفوع خوفاً من التناقض، فإن ربط بين مضامين مفرداته ألحّ على اكتشاف مسوغ العلاقة بقانون السببية والعلة الكافية .. وإما سبح عاطفي جمالي لغته الإيحاأُ، وفكرة تحسّس مجالي الجمال، وعلميته رصد ظواهر البهجة التي يبعثها الموضوع في الذات، ورصد أحوال ذوي البهجة من السذج ومحدودي الثقافة إلى ذوي التربية الثقافية العالية؛ لتصنيف الجمال الذاتي تصنيفاً فأويّاً .. وهذا مادته الأجناس الجمالية: شعراً، ومقالة فنية، وقصة، وأقصوصة، وحدوثة، وحكاية، ورواية، ومسرحية .. مع ما يستقطر من الفنون الجميلة الأخرى .. إلا أنني أشترط معيار العظمة والكمال.

قال أبوعبدالرحمن: هذه مشاربي، وهذه قنواتي .. إلا أن الأخت ـ أو البنت ـ البندري الشعلان في عمودها (على نار) بجريدة اليوم في 28/ 5/1421هـ تعجلت نهايتي القلمية، فكتبت تقول: «كنت كغيري من القراإ والقارئات: إحدى أشد المعجبات بالأديب العلامة أبي عبدالرحمن بن عقيل الظاهري عفا الله عنه كما يختتم هذه العبارة في مقالاته، وأحياناً يقول سلمت براجمه من الأوخاز .. إلا أنني كنت أكثر ألماً وحزناً في الوقت نفسه على خفوت نجمه؛ فقد خذلنا كاتبنا الكبير في السنوات الأخيرة، ولم يعد متوهجاً كما كان، بل إنه في مقالاته التي يكتبها بين الفينة والأخرى لا يعدو استعراضاً بعضلاته الثقافية، فهي أشبه ما تكون بالقواميس وغريب الألفاظ .. وليته اكتفى بهذا؛ فقد لاحظت ولاحظ معي الكثيرون أنه في الفترة الأخيرة تضخم أكثر من حجمه .. أو كما يقول شاعرنا المتنبي: «استسمنت ذا ورم»؛ فهل لدى كاتبنا الكبير سابقاً ـ وأكرر سابقاً ـ إجابة عن هذا التساأُل؟ .. وأجزم صادقة أن في قلبه متسعاً للنقد مثلما كان قلبه متسعاً للحب».

قال أبو عبدالرحمن: ألف ألف ألف ألف ( .... إلى مالا يحصى) شكر على الاهتمام بهذا الكهل الظاهري الخافت خفوت الحلم من الجنس اللطيف، فما ظننت أنني أستحق هذا الاهتمام ولو كان عاتباً غاضباً، وشكراً لحسن الظن وهذا الثناإ العاطر بالأديب الكبير العلامة .. ولو كان سابقاً، فالشيخ ـ شيخ السن ـ إذا أفلس جسماً أو استعداداً فكرياً: تغذَّا بذكريات «سابقاً»!! وبعض الجواب سلف في كلامي عن المشارب والقنوات، ولكن لها حق عليّ أن أزيد في الحرف بسطة، فإلى لقاإ إن شاء الله.

ـ[الاستاذ]ــــــــ[25 - 09 - 05, 03:07 ص]ـ

حسين عرب بين هم المكتب وأشواق المكتبة

معالي الوالد الكبير حسين عرب تفيأ دوحة الشعر باستعداد العلماإ، وقد زرته بُعيد تقاعده بصحبة الشيخ أبي تراب وعدد من الفضلاإ، وجلنا على مكتبته العامرة، وكان يومها غير مهتم لا بشعره ولا بشعر غيره، بل كان اهتمامه بالفقه الجعفري ومدى الإفادة منه .. وهذا الانكباب هو سر إلحاحه على الملك فيصل ـ رحمه الله ـ بطلبه الإحالة للتقاعد ـ وكان يومها وزير الحج والأوقاف ـ وكان يومها أيضاً في حال من يقال عنه: تقاعد مبكراًً أمد الله في حياته، ومتعه متاعاً حسناً، وبهذه المناسبة قال:

تقاعدت عن عبْإ الوزارة راغباً

وغادرتها من قبل سن التقاعد

ما استكبرت نفسي بلمع بريقها

وما الكبر من طبع العقول الرواشد

قال أبوعبدالرحمن: الوزارة يومئذ ذات سحر وجاذبية وهيبة، والوزير حينئذ يُقاد برسنين .. وأشهد أن حسيناً هو كما هو قبل الوزارة، وحال الوزارة، وبعدها .. وكان ذا حنوٍّ كبير كريم على ذوي الحاجة وطلبة العلم، وإنني لأعلم نماذج من ذلك .. ثم قال والدنا الكريم:

ومن أنا إن أكبرت نفسي بمنصب

كبير أعاني منه كل الشدائد؟!

قال أبوعبدالرحمن: إنما تكبر الوزارات بمثل حسين .. وبأسلوب فني يتطلف حسين في تسويغ إلحاحه على التقاعد: معللاً بتدني صحته، خاتماً مقطوعته على أسلوب فخريات الشاعر العربي القديم:

توقد إحساسي بها وبجهدها

فأجهلت نفسي قائماً غير قاعد

ومن يحمل العبأ الكبير أمانة

فهمته الكبرى بلوغ المقاصد

أكابدها حتى أقضت مضاجعي

وناأ بها جسمي وأعيت سواعدي

قال أبوعبدالرحمن: لكل طالب علم عدة مضاجع: مضجع بمكتبته عندما يدركه التعب، وتكون كترنيقة الطائر، ومضجع القيلولة في أدنا مكان، ومضجع النوم ليلاً في دفإِ الأحضان!

وأسرعت لم أعثر ولكنّ صحتي

تداعت إلى أن وسدتني وسائدي

لم أحتجب خيراً على أي قاصد

ولم أرتكب شراً على أي كائد

وقد صنت أخلاقي وأرضيت خالقي

وحسبي منها ذاك والله شاهدي

سيبقى وفائي في بلادي وأمتي

ويبقى ولائي في مليكي وقائدي

قال أبوعبدالرحمن: إن ما أصاب حسيناً عارض صحي، وإنما دافعه إلى التقاعد المبكر الانكباب على المكتبة، والتفرغ لمهاتفة سطور الخالدين .. ولو علل بذلك ما قبل الملك فيصل ـ رحمه الله ـ استقالته، وإن حسيناً خير بلا شر، فقد امتثل الشطر الأخير من بيت الهذلي:

إذا أنت لم تنفع فضرَّ فإنما

يُرجّا الفتا كيما يضر وينفع

وقد نالني من معاليه كل خير إلا مرة عندما ألقيت محاضرة بنادي مكة المكرمة الثقافي، ففوجأت به أمامي، فتلعثمت في إلقاء الشعر وكسَّرته أيما تكسير مع رداءة حاسة الأذن الموسيقية لدي، ومن خاف وقع .. تهيبت موهبته الأدبية فتلعثمت .. ومثل ذلك يحصل للإمام إذا شعر بأن وراأه من هو أقرأ منه، فيتعلثم فيما اعتاد على إمراره بلا تلعثم والله المستعان.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير