تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كانت هذه نماذج وأمثلة لما أفاده ابن الفرضي من كتابات أحمد بن عبد البر، وبالرغم من محدوديتها بالنسبة لسابقيه إلا أنها كانت ذات دلالات جيدة، لما فيها من معلومات مهمة ربما انفرد بها ابن عبد البر عمن سواه. ويبدو أن السبب في ذلك يعود لكون ابن عبد البر محدثاً ثم مؤرخاً، وبالتالي فهو يملك إمكانات كلتا المدرستين مما أهله لأن تكون كتاباته مهمة في بابها ويتأكد هذا الأمر إذا تذكرنا أن مدرسة المحدثين آنذاك كان لها منهج مستقل ومعالم واضحة في ميدان دراستها، وهذا مما جعلها تؤثر على الفكر الإسلامي حيث أثر منهج المحدثين على العلوم الإسلامية الأخرى ومنها التأليف التاريخي ([291]).

كان هذا عرضاً لمصادر ابن الفرضي التاريخية المكتوبة، والتي ذكرها في مقدمة كتابه، وهي بلا شك مصادر مهمة يعد أصحابها من كبار علماء، ومؤرخي الأندلس آنذاك، وقد بدا هذا الأمر واضحاً على مادته العلمية التي استقاها منها وأثبتها في كتابه.

وبالإضافة إلى هؤلاء فقد أخذ ابن الفرضي عن عدد من الكتاب والمؤرخين الذين لم يذكرهم في مقدمة كتابه لكنه أشار إليهم في ثناياه ومنهم يحيى بن مالك بن عائذ بن كيسان بن معن والمعروف بالعائذي ([292])، المولود سنة ثلاثمائة والمتوفى بقرطبة سنة خمس وسبعين وثلاثمائة، وقد رحل إلى المشرق سنة سبع وأربعين فحج سنة ثمان وأربعين، ثم انتقل إلى بغداد، حيث يذكر ابن الفرضي أنه حدثه أنه سمع ببغداد من سبعمائة رجل ونيف، وقد تردد بالمشرق نحو من اثنتين وعشرين سنة، كما كتب عن طبقات المحدثين، ثم عاد إلى الأندلس سنة تسع وستين وثلاثمائة ([293]).

ويذكر ابن الفرضي أنه كان ذا علم جم، اذ أنه لما قدم الأندلس سمع منه ضروب من الناس، وطبقات مختلفة من طلاب العلم، وأبناء الملوك، وجماعة من الشيوخ والكهول، كما ذكر أنه كان يملي في المسجد الجامع كل يوم جمعة، وأنه سمعه يقول: (لو عددت أيام مشيي بالمشرق وعددت كتبي التي كتبت هناك بخطي لكانت كتبي أكثر من أيامي بها) ([294]).

ولاشك أن هذا المستوى العلمي الجيد الذي حظي به ابن عائذ هو الذي جعله مصدراً مهماً من مصادر ابن الفرضي، حيث أخذ عنه جزءاً من تاريخ ابن سعيد، وكذلك ما رواه عن الرازي، حيث بين أن العائذي هو الذي أخبر به عنه ([295])، بل ذكر ابن الفرضي أن الأمر تجاوز ذلك حيث قال: (روى لنا من الأخبار والحكايات مالم يكن عند غيره، ولا أدخله أحداً الأندلس قبله …) ([296])، ولعل مما شجع ابن الفرضي على كثرة الأخذ منه ما كان يتسم به صاحبنا من كونه حليماً، كريماً، جواباً، شريف النفس مع سلامة دينه وحسن يقينه ([297]).

ويبدو أن العائذي لم يكن مصدراً لتلقي المعلومات فحسب، بل كان أيضاً شيخاً ومستشاراً لما يشكل على ابن الفرضي في بعض القضايا التي تتعلق بعدالة الرجال، فحينما تحدث ابن الفرضي عن طاهر بن حزم قال: (وكان ورعاً فاضلاً ذاكرت به العائذي فأثنى عليه وأخبرني ببعض أمره) ([298])، وحينما يروي عنه يقول قال لي أبو ذكريا يحيى بن مالك بن عائذ ([299])، أو قال أبو زكريا، ومن القضايا التي أخذها عنه غير ما كان عن الرازي، وابن سعيد، قضية مقتل طاهر بن حزم ([300])، ووصفه لعيسى بن دينار ([301]) كذلك تفسير قوله تعالى: {فاصفح الصفح الجميل} ([302])، حيث روى تفسيرها مسندا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ([303])، كذلك روى عن الإمام أحمد بسند متصل رأيه في معاوية بن صالح ([304])، كما روى عنه أخباراً أخرى في قضايا مختلفة ([305]).

كذلك أخذ ابن الفرضي من شيخه عبد الله بن محمد بن القاسم الثغري ([306])، ومن ذلك ما رواه بسند متصل عن فرات بن محمد أن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - أرسل عشرة من التابعين إلى أهل أفريقية ليفقهوهم ([307])، كذلك روي عنه أنه رأى قبر حنش بن عبد الله الصنعاني بسرقسطة عند باب اليهود غربي المدينة ([308]) كما روى عنه أخباراً كثيرة تتعلق بالسير العلمية لعدد من الرجال، وكان منهجه في الروايات التي يأخذها من الثغري أن يذكرها بسند متصل، ومن الأمثلة على ذلك قوله: (أخبرني عبد الله بن محمد بن القاسم الثغري - رحمه الله - قال: نا تميم بن محمد الأفريقي قال: قال أبي سهل بن محمد الوراق الأندلسي كان رجلاً صالحاً حسن الضبط

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير