ومثال ذلك ما رواه ابن ماجه وغيره بسند ضعيف جدا عن أبى أمامه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الماء طهور، إلا ما غلب على لونه أو طعمه اوريحه) هذا الحديث ضعيف جدا من جهة السند، وقال الأمام الشافعي لا اعلم أهل الحديث يثبتون مثله0
لكن نحن نعلم أن الفقهاء يشترطون في الماء المطلق الذي يصح التطهر به أن لا يتغير احد أوصافه الثلاثة من اللون والطعم والرائحة، فالاحتجاج بهذا إنما مستنده الإجماع وليس مستنده الحديث، فالاعتماد على الحديث إنما هو شكلي محض0
فقد اعتمدنا في إثبات الحكم على إجماع العلماء، وهو أن الماء طهور إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه, وعلى هذا حمل كلام ابن الهمام الحنفي رحمه الله تعالى0
وعلى هذا فان الحديث الضعيف لا يحتج به في الأحكام الشرعيه0
وكذلك حديث على ابن أبى طالب الذي رواه الحارث الأعور عنه- وهو واهن- أن النبي صلى الله عليه وسلم (قضى بالدين قبل الوصية)
وإجماع العلماء أن يقضى دين الميت قبل توزيع التركة، لان هذا المال أحق أن ينتفع به الميت، فكيف يقسم هذا المال على الورثة ثم يعذب هو به، بل يجب أن يقضى دينه أولا لأنه هو الذي جمعه فهو أحق من ينتفع به، فيكفى إجماع العلماء على قضاء دين الميت قبل توزيع التركة على اصحابها0
فهذا الحديث وإن كان ضعيفا جدا إلا أن الإجماع جرى على مقتضاه، وعلى ذلك فيكون حقيقة الإجماع على المقتضى وليس على الحديث الضعيف0
فإذا علمنا هذا فانه لا يصح الاحتجاج بحكم إلا بعد ثبوت هذا الكلام عن صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم0
ومعرفة صحة الحديث من ضعفه يلزم الدخول على علوم الرواية، وذلك بالمرور على المحدثين فإن اثبتوا ان الحديث صحيح حينئذ يبدأ دور الفقه، أي أن دور الفقه لا يكون الأبعد دور المحدث الذي يعلم أصول الحديث0
إذا لابد من مصطلح الحديث أولا، فعلم الفقه يحتاج إلى علم أصول الحديث وعلى هذا فان علم أصول الحديث خادم ولم الفقه مخدوم، وكذلك التفسير، فهناك أحاديث فسر بها النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات تفسيرا مباشرا، وهناك بعض الأحاديث ورد فيها تفسير لكلمة وردت في بعض الآيات، لكن لم ينزل هذا الحديث على الايه، بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال هذا الحديث ليفسر الايه، فقد ذكر مثلا (الران) بأنه شي يضرب على القلب، فإذا تلونا قوله تبارك وتعالى.
(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) نعرف من الران الذي كان في الحديث أننا نستطيع أن نفسر كلام الله تبارك وتعالى بما ورد في الحديث0الا إذا كان هذا الحديث قيل لخصوص هذه الايه0
وهناك تفسيرات عن الصحابة والتابعين، فإذا كنا نعتبر ان قول الصحابة حجه إذا لم يخالفوا فيه، اواذا وافق عليه الصحابة نحو ما هو مفسر في أصول الفقه، وأننا نلتزم بأقوال هؤلاء الصحابة الذين كانوا أشد الناس وأحسن الناس فهما وأن قولهم أولى من قول كثير من المتاخرين00
حينئذ يجب ان نعلم ثبوت ذلك عن الصحابي الذي يصير كلامه حجة بعد ذلك أم لا0
ولا يكون هذا إلا بالنظر في الأسانيد التي هي من اختصاص المحدث، دون غيره0
فكم من أقوال واهية ساقطة نسبت إلى ابن عباس رضي الله عنهما، والسند اليه لا يصح، فهناك صحيفة عريضة نسبت إلى بن عباس رضي الله عنه ولم يقل منها حرف واحد، فهي منسوبه إلى ابن عباس0
وجل هذه الصحيفة منشوره، بل كلها منشوره في كتب المفسرين، ويقولون قال ابن عباس كذا وكذا ولم يقله ابن عباس رضي الله عنه، فكثير من الناس يحتج به على أساس انه قول بن عباس وهو ترجمان القران وان النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، ولكنه لم يصح عنه، وعلى هذا فلا نستطيع أن نقول: قال بن عباس رضي الله عنه كذا، إذن لابد من النظر في الأسانيد هل هذا قاله ابن عباس أم لا؟
ولذلك لابد من المرور على مصطلح الحديث، وكذلك الكتب التي صنفها المؤلفون فإننا لا نستطيع ان نثبتها لأصحابها إلا بالنظر في الاسانيد0
فكم من كتب تكلم فيها أهل العلم ونفى إثباتها إلى أصحابها
ككتاب " الصلاة " لأحمد بن حنبل فلإمام الذهبي رحمه الله يقول احسبه موضوعا على الإمام 0
وككتاب " الرد على الزنادقة والجهميه " فلإمام الذهبي يجزم انه موضوع وما قاله الإمام إنما ألفه مؤلف ونسبه إلى الإمام احمد رحمه الله تعالى0
¥