فكان الرجل إذا قال حدثنا فلان عن فلان كان يبدى مهابة، ولذلك يذكرون ان رجلا كان يتسول المال من الناس، فلم يعطوه، فلما لم يعطوه قال حدثني يزيد بن هارون عن فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا سال سائل ولم يعطه الناس فكبر عليهم ثلاثة) فلما سمع الناس هذا الكلام أعطوه المال، فأخذه وانصرف، وإذا بيزيد بن هارون آت فاستوقفوه وقالوا له: حديث حدثه رجل عنك عن فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال كذا وكذا، فقال كذب عدو الله ما سمعت بهذا، فهذا لرجل كان يعرف، أن الأسانيد مهمة لذلك كان يفترى 0
وكذلك القصة التي ذكرها ابن الجو زى وان كان بعض العلماء انكرها كالذهبي وغيره، أن احمد بن حنبل ويحيى بن معين رحمهم الله دخلا مسجد من مساجد الكوفة ودخلا في الصلاة، فإذا برجل قاص يقص على الناس وكان عادة القصاص إنهم يأتون بالأسانيد، وكانوا يوهمون الناس بهذه الكلمة التي يقولون فيها روينا من غير وجه، فيظن الجالس أن عند وجوه كثيرة لكنه اختصرها بهذه الكلمة، قال الرجل حدثني احمد بن حنبل وبن معين قالا حدثنا فلان عن فلان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من قال لا اله إلا الله خلق الله له بكل كلمه طائرا، له سبعين ألف راس، ولكل راس سبعين ألف منقار، في كل منقار سبعين ألف لسان، كل لسان يستغفر الله لهذا الرجل بسبعين ألف لغة0
وكان بعد أن ينتهي من الدرس، يأخذ الأموال التي قد جمعها له الناس وينصرف، وكان يحيى بن معين رحمه الله جرئيا، ما يخاف في الحق لومة لائم، وكان يواجه الناس بما يكرهون، (ولذلك كما قال أبى زرعه لا ينتفع بابن معين في الرواية لكلامه في الناس) ولذلك لا تجد بن معين كثيرا في الأسانيد، لأنه ما من راوي إلا وله فيه كلام، فمن كثرة كلامه في الناس يكرهونه فكانوا لاياخذون عنه الحديث 0
فلما سمع بن معين القاص يقول أن احمد بن حنبل ويحيى بن معين حدثوني تعجل في صلاته وناداه فجاءه الرجل متوهما أنه سيعطيه مالا فقال له يحيى بن معين من حدثك بهذا الحديث؟ فقال حدثني احمد بن حنبل ويحيى بن معين، فقال هذا احمد بن حنبل وأنا يحيى بن معين وما سمعنا بهذا! فقال الرجل كنت أسمع ان يحيى بن معين أحمق، أو تظن أن في الدنيا لا يوجد احمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما، لقد كتبت عن سبعة عشر احمد بن حنبل وبن معين فوضع احمد يده في كمه يكتم ضحكه، فنظر اليه الرجل، وقال احمد له دعة يقوم فقام كالمستهزى بهما0
وقد كان يشددون على هذه الأسانيد حتى ان الزهري سمع مره أن بن أبى فروة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدون ذكر إسناد –فقال الزهري: قاتلك الله بابن أبى فروه تحدثنا بأحاديث لاخطام لها ولا ذمام، أين الخطام؟ أين الزمام؟ الإسناد بالنسبة للمتن كالخيطان بالنسبة للبعير، فيوشك البعير الذي لاخطام له أن يتوه منك ولا تقدر عليه0
وهذا نفس كلام ابن المبارك رحمه الله الذي قال: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء لولا ان يعلم أننا سنقول له سمي لنا ويعلم انه يكشف لكان كل الناس افترى وتكلم 0
وكان الناس يحرصون على الأسانيد وكانوا يقدمون لها بالأسانيد، ويحكون ان رجلا كان يسمى العتابى، وكان محدث قاص ببلاد الشام رآه راء يأكل على قارعة الطريق فقال له إلا تحتشم إلا تستتر من الناس وهم يمرون عليك؟ فقال له أرأيت إن كان في بيتك بقرا كنت أن تحتشم أن تأكل أمامها؟ قال: لا
قال انتظر حتى اثبت لك أنهم بقر، ودخل المسجد وأخذ يقص عليهم ويقول: روينا من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من بلغ لسانه أرنبه أنفه دخل الجنة فما من واحد إلا وقد اخرج لسانه يريد ان يمس به أرنبة انفه0 فقال: أولم أخبرك أنهم بقر!!!!
وقد كان بعض الذين يتقربون إلى الخلفاء أو إلى الولاة، وقد كان الولاة يحرصون على ذكر الأحاديث بالاسانيد0
فقد كان بعضهم إذا أراد أن يتقرب إلى الوالي كان يفترى بحديث بسنده0
فكما يحكى عن إبراهيم بن عثمان أنه قيل له إلا تنظر إلى المعلمين كيف يضربون الأولاد وبينما رجل يكلمه حتى دخل ابن إبراهيم هذا عليهما وهو يبكى، فقال له مالك يا بنى، قال: ضربني الأستاذ!!! قال هكذا0
حدثني عكرمة عن بن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ان شراركم معلموكم اقلهم رحمة على اليتيم، وبعضهم أغلظهم على المسكين0
¥