ـ عن أبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ "
إن المخلوقات عند قدوم الشهر تتغير أحوالها، وتتبدل طبيعتها، فذاك الشيطان يعجز عن كثير من طرق الإغواء، وسبل الإضلال، وهذه الجنة تتجمل بحللها، وتلك النار تغلق أبوابها، تغير الجميع إلى ما غلب من صفات الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي "
أفلا تتغير أيها المسكين لتكون أهلا لرحمة رب العالمين، إذا كان حالك بعد استسلام الشيطان، وفتح الجنان وغلق النيران لا يتغير، فهيهات أن يكون لك من الخير بعد ذلك نصيب.
" والمعنى أن الشياطين لا يخلصون فيه في إفساد الناس إلى ما يخلصون إليه في غيره، لاشتغال أكثر المسلمين بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن وسائر العبادات، والله أعلم "
أو تصفد حقيقة تعظيما للشهر، ولا ينافيه وقوع الشرور فيه لأنها إنما تغل عن الصائم حقيقة بشروطه، أو عن كل صائم والشر من جهات أخر كالنفس الخبيثة، أو المقيد هو المتمرد منهم فيقع الشر من غيره.
قوله (تفتح فيه أبواب الجنة) أي أبواب أسبابها مجاز عن كثرة الطاعة ووجوه البر وهو كناية عن نزول الرحمة وعموم المغفرة فإن الباب إذا فتح يخرج ما فيه متواليا أو هو حقيقة وإن من مات من المؤمنين برمضان يكون من أهلها ويأتيه من روحها فرق من يموت في غيره، وكذا القول في غلق أبواب النيران.
" فكيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين من أين يشبه هذا الزمان زمان. و في حديث آخر: (أتاكم رمضان سيد الشهور فمرحباً به و أهلاً)
جاء شهر الصيام بالبركات فأكرم به من زائر هو آت "
" قال معلى بن الفضل: كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم.
و قال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان و سلم لي رمضان و تسلمه مني متقبلاً.
بلوغ شهر رمضان و صيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، و يدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ثم مات الثالث على فراشه بعدهما فرؤي في المنام سابقاً لهما فقال النبي صلى الله عليه و سلم: أليس صلى بعدهما كذا و كذا صلاة، و أدرك رمضان فصامه؟!، فوالذي نفسي بيده إن بينهما لأبعد مما بين السماء و الأرض. خرجه الإمام أحمد و غيره.
من رحم في رمضان فهو المرحوم، و من حرم خيره فهو المحروم، و من لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم.
أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد
فأد حقوقه قولاً و فعلاً و زادك فاتخذه للمعاد
فمن زرع الحبوب و ما سقاها تأوه نادماً يوم الحصاد
يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة، يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة، من لم يربح في هذا الشهر ففي أي وقت يربح، من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يربح "
فبادر بالعمل الصلح في رمضان قبل أن ينصرم دون أمل في تكرار اللقاء، فكم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله، فصار قبله إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله، و مؤمل غداً لا يدركه، إنكم لو أبصرتم الأجل و مسيره لأبغضتم الأمل و غروره.
كم ينادي حي على الفلاح و أنت خاسر، كم تدعى إلى الصلاح و أنت على الفساد مثابر، فيا أيها الغافل إلى متى؟
إذا رمضان أتى مقبلا فاقبل فبالخير يستقبل
لعلك تخطئه قابلاً و تأتي بعذر فلا يقبل. "
" هذا عباد الله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، و في بقيته للعابدين مستمتع،و هذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم و يسمع و هو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً يتصدع، و مع هذا فلا قلب يخشع و لا عين تدمع،و لا صيام يصان عن الحرام فينفع، و لا قيام استقام فيرجى في صاحبه أن يشفع.
قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع، و تراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر و لا تسمع
¥