و كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ يتوسط في إعطاء نفسه حقها و يعدل فيها غاية العدل فيصوم و يفطر، و يقوم و ينام و ينكح النساء، و يأكل ما يجد من الطيبات كالحلواء و العسل و لحم الدجاج، و تارة يجوع يربط على بطنه الحجر و قال: (عرض علي ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباً فقلت: لا يا رب، و لكن أجوع يوماً و أشبع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك، و ذكرتك، و إذا شبعت حمدتك و شكرتك) فاختار لنفسه أفضل الأحوال ليجمع بين مقامي الشكر و الصبر و الرضا "
ـ عن عبد الله بن عمرو قال: " أُخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي، قال: فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوما وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود ـ عليه السلام ـ وهو أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا أفضل من ذلك "
ـ عن أبي قِلابة قال: أخبرني أبو المليح قال: دخلت مع أبيك على عبد الله بن عمرو فحدثنا: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذُكر له صومي، فدخل علي فألقيت له وسادة من آدم حشوها ليف، فجلس على الأرض وصارت الوسادة بيني وبينه فقال: أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ قال: قلت: يا رسول الله، قال: خمسا، قلت: يا رسول الله، قال: سبعا، قلت: يا رسول الله، قال: تسعا، قلت: يا رسول الله، قال: إحدى عشرة، ثم قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا صوم فوق صوم داود ـ عليه السلام ـ شطر الدهر، صم يوما وأفطر يوما "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لو أن رجلا صام يوما تطوعا ثم أعطي ملء الأرض ذهبا لم يستوف ثوابه دون يوم الحساب "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم " زاد محرز في حديثه وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " الصيام نصف الصبر "
صوم النوافل عند الصالحين:
ـ عن أنس أن أبا طلحة كان يكثر الصوم على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان لا يفطر إلا من وجع "
ـ عن الزبير بن عبد الله عن جدة له يقال لها زهيمة قالت: " كان عثمان (تعني ابن عفان) يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله "
ـ عن سعد بن إبراهيم قال: " كان ممن يكثر الصوم ابن عمر وعائشة وسعيد بن المسيب "
ـ عن نافع عن بن عمر: " أن عمر سرد الصوم قبل موته بسنتين "
ـ ذكر عبيد الله بن أحمد الصيرفي عمن حدثه: " أن القاضي أبا العباس الأبيوردي كان يصوم الدهر، وأن غالب إفطاره كان على الخبز والملح، وكان فقيرا يظهر المروءة.
قال: ومكث شتوة لا يملك جبة يلبسها "
ـ عن هشام بن عروة قال: " صام أبي أربعين سنة أو ثلاثين سنة ما أفطر إلا يوم فطر أو يوم نحر، ولقد قبض وإنه لصائم "
ـ عن هشام بن عروة: " أن أباه مات وهو صائم وجعلوا يقولون له أفطر فلم يفطر "
ـ وكان المسور بن مخرمة ـ رضي الله عنه ـ: " لا يشرب من الماء الذي يوضع في المسجد ويكرهه، ويرى أنه صدقة، وكان يصوم الدهر "
ـ قال عمر بن هارون: " كان شعبة يصوم الدهر كله "
ـ عن أبي إسحاق الطبري قال: " كان أحمد بن سليمان يصوم الدهر، ويفطر كل ليلة على رغيف، ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة تصدق بذلك الرغيف، وأكل تلك اللقم التي استفضلها "
ـ وعن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: " كان سليمان بن يسار يصوم الدهر، وكان عطاء بن يسار يصوم يوما ويفطر يوما "
ـ قال محمد بن طلحة: " كان أبو عمرو متعبدا مجتهدا يصلي الليل، وكان شديد النظر إلى النساء، فدعا الله أن يذهب بصره فذهب بصرُه، فلم يحتمل العمى فدعا الله أن يرد عليه بصره، فبينا هو في المسجد إذ رفع رأسه فنظر إلى القنديل فدعا غلامه فقال: ما هذا؟ قال: القنديل. قال: وذاك، وذاك، يعد قناديل المسجد، وخر ساجدا، شكر لله إذ رد عليه بصره، فكان بعد ذلك إذا رأى المرأة طأطأ رأسه وكان يصوم الدهر "
¥