كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله و يخافون من رده و هؤلاء الذين: (يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة)
ـ روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: (كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا الله عز و جل يقول: إنما يتقبل الله من المتقين)
ـ و عن فَضالة بن عبيد قال: (لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا و ما فيها لأن الله يقول: إنما يتقبل الله من المتقين)
ـ قال ابن دينار: الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل.
ـ و قال عطاء السلمي: الحذر: الاتقاء على العمل أن لا يكون لله.
ـ و قال عبد العزيز بن أبي رواد: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا.
ـ قال بعض السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم.
ـ خرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته: أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوماً و قمتم ثلاثين ليلة، وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم.
ـ كان بعض السلف يظْهَرُ عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له: إنه يوم فرح وسرور فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا؟
ـ رأى وهب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين. و إن كان لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين.
ـ و عن الحسن قال: إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا و تخلف آخرون فخابوا فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون و يخسر فيه المبطلون.
لعلك غضبان و قلبي غافل سلام على الدارين إن كنت راضيا
ـ روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري من هذا المقبول فنُهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه.
ـ و عن ابن مسعود أنه كان يقول: من هذا المقبول منا فنهنيه ومن هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك.
ليت شعري من فيه يقبل منا فيهنا يا خيبة المردود
من تولى عنه بغير قبول أرغم الله أنفه بخزي شديد
ماذا فات من فاته خير رمضان، وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان، كم بين من حظه فيه القبول والغفران، ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران، رب قائم حظه من قيامه السهر وصائم حظه من صيامه الجوع والعطش.
ما أصنع هكذا جرى المقدور الجبر لغيري و أنا المكسور
أسير ذنب مقيد مهجور هل يمكن أن يغير المقدور
وقال غيره
سار القوم والشقاء يقعدني حازوا القرب والجفا يبعدني
حسبي حسبي إلى متى تطردني أعدائي دائي وكلهم يقصدني
وقال غيره
أسباب هواك أوهنت أسبابي من بعد جفاك فالضنى أولى بي
ضاقت حيلي و أنت تدري ما بي فارحم فالعبد واقف بالباب
ـ كان أبو قِلابة يعتق في آخر الشهر جارية حسناء مزينة يرجو بعتقها العتق من النار.
الاستغفار لجبر التقصير ومحو الأوزار
ـ والاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها فيختم به الصلاة و الحج وقيام الليل، ويختم به المجالس فإن كانت ذكراً كان كالطابع عليها، وإن كانت لغواً كان كفارة لها، فكذلك ينبغي أن تختم صيام رمضان بالاستغفار.
ـ وكتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، فإن الفطر طُهرة للصائم من اللغو و الرفث، والاستغفار يرقع ما تخرق من الصيام باللغو والرفث.
ـ و لهذا قال بعض العلماء المتقدمين: إن صدقة الفطر للصائم كسجدتي السهو للصلاة.
ـ و قال عمر بن عبد العزيز في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم: ربنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين، و قولوا كما قال نوح ـ عليه السلام ـ: وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين، وقولوا كما قال موسى ـ عليه السلام ـ: رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، وقولوا كما قال ذو النون ـ عليه السلام ـ: سبحانك إني كنت من الظالمين.
ـ ويروى عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: الغيبة تخرق الصيام والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء بصوم مرقع فليفعل.
¥