4 ـ أنَّ من أسباب اختيار زيد بن ثابت ما ذكره أبو بكر الصديق t ، قال زيد:» وقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا أتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله rفتتبع القرآن واجمعه «.
فكان في هذا ما يميِّزه على متقدمي قراء الصحابةِ، أمثال أبيِّ بن كعب، وأبي موسى الأشعري، وسالم مولى حذيفة وغيرهم.
كما كان هذا ما ميَّزه على ابن مسعود خصوصًا، الذي جاء في الآثار أنه حضر العرضة الأخيرة، وقد كان اعترض على عدم إشراكه في جمع القرآن في عهد عثمان.
5 ـ أنَّ زيدًا الذي هو من أعلم الصحابة بالعرضة الأخيرة = سيكتب في المصحف الذي أمره أبو بكر بكتابته ما ثبت في هذه العرضة، ولن يترك حرفًا ثبت فيها من عند نفسه أو بأمر غيره.
ومن هنا يكون مصحف أبي بكر قد حوى ما بقي من الأحرف السبعة التي ثبتت في العرضة الأخيرة.
ولما جاء عثمان، وأراد جمع الناس على المصحف، جعل مصحف أبي بكر أصلاً يعتمده، وقام بتوزيع الأحرفِ التي تختلفُ القراءة بها في هذه المصاحف، فكان عمله نسخَ المصاحفِ، وتوزيع الاختلاف الثابت في القراءةِ عليها، ولم يترك منها شيئًا، أو يحذف حرفًا.
وما لم يُرسم في المصاحف، وقرئ به فإنه مأخوذٌ عن المقرئ الذي أرسله عثمان مع المصحف، وقراءة المقرئ قاضية على الرسم؛ لأنَّ القراءة توقيفية يأخذها الأول عن الآخر لا مجال فيها للزيادة ولا النقص، والرسم عمل اصطلاحيٌّ قد يتخلَّف عن استيعاب وجوه القراءات فلا يصطلح عليه.
فإن اعترض معترض بما روى البخاري عن أنس:» أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق «. .
ووجه الاعتراض من جهتين:
الأول: أنَّ الاختلاف قائمٌ في القراءات المشهورة التي يقرأ بها الناس إلى اليوم، فما وجه عمل عثمان، وهو إنما كان يخشى اختلاف القراءة؟
فالجواب: إنَّ القراءة قبل هذا الجمع لم تكن صادرة عن إجماع الصحابة وإلزام الناس بما ثبت في العرضة الأخيرة مما كتبه زيد في مصحف أبي بكر، والذي يدل على ذلك أنَّ قراء الصحابة كانوا يقرئون الناس بما صحَّ عندهم عن نبيهم r ، وليس كلهم بَلَغَهُ ما نُسِخَ في العرضة الأخيرة.
فلما وزع عثمان المصاحف = أرسل مع كل مصحف قارئًا يُقرئُ الناس، بما في هذا المصحف الذي أثبت فيه وجه مما ورد في العرضة الأخيرة، وكان في ذلك حسمٌ لمادة الخلاف، وذلك أنه لو التقى قارئٌ من البصرة وقارئ من الكوفة، فقرأ كل منهما على اختلاف ما بينهما، فإنهما يعلمان علمًا يقينيًا بأن ذلك عائدٌ إلى وجه صحيح مروي عن النبي r ، وبهذا يكون الاختلاف قد تحدَّد بهذه المصاحف ومن معها من القراء، وأنَّ ما سواها فهو منسوخ لا يُقرأ به.
وهذا يعني أنَّ عمل عثمان هو تقرير الأوجه التي ثبتت في العرضة الأخيرة التي كُتِبَت في مصحف أبي بكر، وإلزام الناس بها، وترك ما عداها مما قد نُسخ، وليس أنه حذف ستة أحرف.
الثاني: أن يقول المعترض: إنَّ في الرواية السابقة:» وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ففعلوا «أوكد الدليل على أنهم كتبوا المصحف العثماني على حرف واحدٍ، وهو ما يوافق لغة قريش.
والجواب عن ذلك أن يقال: إنَّ هذه المسألة ترتبط بالرسم، وهي مسألة تحتاج إلى توضيح أمور تتعلق بالرسم، وليس هذا محلها، لكن سآتي على ذكر ما يلزم من حلِّ هذا الاعتراض، وبالله التوفيق.
¥