تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبالإضافة إلى اللوحات على القبور فإن ابن الفرضي قد أفاد أيضاً من بعض الوثائق المادية الأخرى مثل وثائق المبايعات ومن ذلك قوله عن محارب بن قطن: (ورأيت شهادته في وثيقة تاريخها للنصف من ربيع الأول سنة أحدى وثمانين ومائتين) ([377])، وهو حينما ذكر هذه الوثيقة يرد بها على خالد بن سعيد الذي ذكر بأن وفاة محارب كانت سنة ست وخمسين ومائتين ([378])، وهكذا اعتمد ابن الفرضي ما جاء في تلك الوثيقة وقدمه على ما ذكره خالد لأنها في نظرة أدق وأوثق، ومن الأمثلة على ذلك -أيضاً- قوله حين حديثه عن إبراهيم بن علي الصوفي - أحد الغرباء الذين قدموا إلى الأندلس -: (وكان أبو اسحاق هذا - يعني إبراهيم - أحد من له الإجابات الظاهرة … حدثنا عنه سهل بن إبراهيم بصك كتبه لي بخطه) ([379]).

وبالرغم من محدودية هذا النوع من المصادر عند ابن الفرضي إلا أنها كانت مصدراً مهماً لوضوحه ودقة دلالته، فضلاً عن سرعة الوصول إليه.

ثانياً: مصادر المعاينة والمعايشة والمشاهدة:

إن معاصرة ومعايشة ابن الفرضي لعدد من العلماء الذين كتب عنهم مكنته من الاحتكاك بهم والعيش معهم ومخالطتهم، إما في المنتديات والمناسبات الاجتماعية، أو في حلقات الدروس وأماكن طلب العلم، أو في غيرها من المواقع، وهذا ما جعله شاهد عيان لكثير من القضايا التي تحدث عنها عند عدد من العلماء سواء أكانت مشاهدته تتعلق بالصفات النفسية أو الخلقية، أو الاجتماعية، أو المواهب والصفات الخلقية، أو المشاهد والتجمعات البشرية في المناسبات المختلقة حيث قام برصد كل هذه المشاهدات ثم تدوينها ضمن حديثه عن أصحابها، وقد كان هذا النوع من المصادر موضع اعتبار عند ابن الفرضي حيث كان يعده من مصادره المهمة وذكره كما يذكر غيره من أنواع المصادر فهو يقول عن حكم بن محمد المقري: (وشهدته يقرأ ويقرئ .. ) ([380]).

وكانت الصفات الخَلْقية والخُلُقيّة من أهم ما رصده أثناء معايشته ومشاهدته لعدد من العلماء حيث دونها ضمن كتاباته عنهم فقد قال مثلاً عن محمد بن إبراهيم القرشي: (جالسته فرأيته نبيلاً …) ([381])، كما قال عن محمد بن يحيى بن رطال: (وكان شيخاً مسمتاً جميلاً، وقوراً، حليماً، متواضعاً كثير الصيام … وكان باطنه كظاهره سلامة ونزاهة …) ([382])، وقريباً من ذلك قوله عن محمد بن إسحاق بن السليم إذ قال عنه: (وكان لين الكلمة سهل الخلق متواضعاً) ([383])، وعن محمد بن إسحاق بن مسرة قال: (وكان قادراً، خيراً، عفيفاً ضابطاً لنفسه، متسمناً وقوراً، ما رأيت في أصحابنا مثله ليناً وطهارة، وأدباً) ([384]).

ولم تكن الصفات الحسنة هي التي كان يرصدها بل تجاوز ذلك إلى الصفات السيئة، ومن ذلك قوله عن محمد بن أحمد بن أصبغ: (وكان كثير الملق، شديد التعظيم لأهل الدنيا مفرطاً في ذلك) ([385]).

أما سعيد بن محمد بن مسلمة بن تبرى فقال عنه: (وكان شديد الأذى بلسانه بذيئاً ثلابة يتوقاه الناس على أعراضهم) ([386])، كما قال عن محمد بن يبقى بن مسلم: (وكانت منه سلامة تجوز عليه بها مالا يجوز على أهل اليقظة من قبول المدح مواجهة واستحسان الاطراء - عفا الله عنا وعنه -) ([387]).

كانت هذه نماذج لما رصده ابن الفرضي لبعض الصفات الخُلُقيّة عند بعض علماء الأندلس ومن يستقرئ ما ذكره يجد أنه كان ذا ملكة قوية، وحس مرهف، مكنه من رصد كل ما شاهده بدقة متناهية.

كما كانت الصفات الجسمية من ضمن ما رصده أثناء معايشته ومشاهدته لعدد من العلماء، ومن ذلك قوله عن أصبغ بن قاسم: (وكان وسيماً جسيماً) ([388])، وعن محمد ابن محمد بن أبي دليم: (وكان ضرورة لا يطأ النساء، ولم يتداوى قط ولا احتجم) ([389])، كما قال عن سعيد بن حمدون الصوفي: (وكان أعور) ([390]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير