تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء} أي يجعله زاكيا ويخبر بزكاته كما يزكي المزكي الشهود فيخبر بعدلهم. و " العدل " هو الاعتدال والاعتدال هو صلاح القلب كما أن الظلم فساده ولهذا جميع الذنوب يكون الرجل فيها ظالما لنفسه والظلم خلاف العدل فلم يعدل على نفسه؛ بل ظلمها؛ فصلاح القلب في العدل وفساده في الظلم وإذا ظلم العبد نفسه فهو الظالم وهو المظلوم كذلك إذا عدل فهو العادل والمعدول عليه فمنه العمل وعليه تعود ثمرة العمل من خير وشر. قال تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت}. والعمل له أثر في القلب من نفع وضر وصلاح قبل أثره في الخارج فصلاحها عدل لها وفسادها ظلم لها قال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها} وقال تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} قال بعض السلف: إن للحسنة لنورا في القلب وقوة في البدن وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضا في قلوب الخلق. وقال تعالى: {كل امرئ بما كسب رهين} وقال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة} وقال: {وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا} وتبسل أي ترتهن وتحبس وتؤسر؛ كما أن الجسد إذا صح من مرضه قيل قد اعتدل مزاجه والمرض إنما هو بإخراج المزاج مع أن الاعتدال المحض السالم من الأخلاط لا سبيل إليه لكن الأمثل؛ فالأمثل؛ فهكذا صحة القلب وصلاحه في العدل ومرضه من الزيغ والظلم والانحراف. والعدل المحض في كل شيء متعذر علما وعملا ولكن الأمثل فالأمثل؛ ولهذا يقال: هذا أمثل ويقال للطريقة السلفية: الطريقة المثلى. وقال تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم} وقال تعالى: {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها}. والله تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس بالقسط وأعظم القسط عبادة الله وحده لا شريك له ثم العدل على الناس في حقوقهم ثم العدل على النفس. والظلم " ثلاثة أنواع ": والظلم كله من أمراض القلوب والعدل صحتها وصلاحها. قال أحمد بن حنبل لبعض الناس: لو صححت لم تخف أحدا أي خوفك من المخلوق هو من مرض فيك كمرض الشرك والذنوب. وأصل صلاح القلب هو حياته واستنارته قال تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}. لذلك ذكر الله حياة القلوب ونورها وموتها وظلمتها في غير موضع. كقوله: {لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين} وقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} ثم قال: {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون} وقال تعالى: {يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي}. ومن أنواعه أنه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن. وفي الحديث الصحيح {مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت} وفي الصحيح أيضا: {اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا}. وقد قال تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات} وذكر سبحانه آية النور وآية الظلمة فقال: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور} فهذا مثل نور الإيمان في قلوب المؤمنين ثم قال: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}. (فالأول مثل الاعتقادات الفاسدة والأعمال التابعة لها يحسبها صاحبها شيئا ينفعه فإذا جاءها لم يجدها شيئا ينفعه فوفاه الله حسابه على تلك الأعمال. و (الثاني: مثل للجهل البسيط وعدم الإيمان والعلم فإن صاحبها في ظلمات بعضها فوق بعض لا يبصر شيئا؛ فإن البصر إنما هو بنور الإيمان والعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير