تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تَعْلَمُونَ شَيْئاً" [النحل:78] , وقوله تعالى: "وَنُقِرّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً" [الحج:5] , وقوله تعالى: "هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً" [غافر:67] , وكما ترى يرد فعل (الإخراج) متعلقاً بالإنسان في مواضع كثيرة بينما لم يرد ولا مرة واحدة متعلقاً بالمني, وهكذا تتآزر الشواهد العديدة مؤكدةً على تعلق فعل (الإخراج) في القرآن بالإنسان لا المني.

(خامساً) استفادة القدامى والمعاصرون من معارف عصورهم في التفسير:

في اجتهادات متفاوتة الخطوات لمطابقة الدلالات العلمية العميقة الغور؛ قال الشوكاني: "قيل إن ماء الرجل ينزل من الدماغ, ولا يخالف هذا ما في الآية لأنه إذا نزل من الدماغ نزل من بين الصلب والترائب, وقيل إن المعنى يخرج من جميع أجزاء البدن, ولا يخالف هذا ما في الآية لأن نسبة خروجه إلى بين الصلب والترائب باعتبار أن أكثر أجزاء البدن هي الصلب والترائب" (22)، وقال السيوطي: "عن الأعمش قال يخلق العظام والعصب من ماء الرجل ويخلق اللحم والدم من ماء المرأة" (23)، وقال ابن كثير: "عن معمر بن أبي حبيبة المدني أنه بلغه في قول الله عز وجل "يخرج من بين الصلب والترائب" قال هو عصارة القلب من هناك يكون الولد" (24). وقال القاسمي: "ومعنى الآية أن المني باعتبار أصله وهو الدم يخرج من شيء ممتد بين الصلب أي فقرات الظهر في الرجل والترائب أي عظام صدره, وذلك الشيء الممتد بينهما هو الأبهر (الأورطى) وهو أكبر شريان في الجسم يخرج من القلب خلف الترائب ويمتد إلى آخر الصلب تقريبا, ومنه تخرج عدة شرايين عظيمة, ومنها شريانان طويلان يخرجان منه بعد شرياني الكليتين, وينزلان إلى أسفل البطن حتى يصلا إلى الخصيتين فيغذيانهما, ومن دمهما يتكون المني في الخصيتين ويسميان شرياني الخصيتين أو الشريانين المنويين, فلذا قال تعالى عن المني "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" لأنه يخرج من مكان بينهما وهو الأورطي أو الأبهر, وهذه الآية على هذا التفسير تعتبر من معجزات القرآن العلمية" (25)، وقال ابن عاشور: "الخروج مستعمل في ابتداء التنقل من مكان إلى مكان .. , والصلب العمود العظمي الكائن في وسط الظهر وهو ذو الفقرات .. , والترائب جمع تريبة .. تضاف إلى الرجل وإلى المرأة ولكن أكثر وقوعها في كلامهم في أوصاف النساء .. , وقوله

"يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" الضمير عائد على ماء دافق وهو المتبادر .. أي يمر ذلك الماء بعد أن يفرز من بين صلب الرجل وترائبه, وبهذا قال سفيان والحسن .. (ولكن المراد) أن أصل تكون ذلك الماء وتنقله من بين الصلب والترائب, وليس المعنى أنه يمر بين الصلب والترائب إذ لا يتصور ممر بين الصلب والترائب لأن الذي بينهما هو ما يحويه باطن الصدر والضلوع من قلب ورئتين .. , ولا شك أن النسل يتكون من الرجل والمرأة فيتكون من ماء الرجل وهو سائل فيه أجسام صغيرة تسمى في الطب الحيوانات المنوية .. مقرها الأنثيان وهما الخصيتان .. ومن ماء هو للمرأة كالمني للرجل .. وهو بويضات دقيقة .. يشتمل عليها مبيضان للمرأة وهما بمنزلة الأنثيين للرجل فهما غدتان تكونان في جانبي رحم المرأة, (و) الحبل المنوي .. ينتهي إلى الأنثيين وهما الغدتان اللذان تفرزان المني .. , وهذا من الإعجاز العلمي في القرآن الذي لم يكن علم به للذين نزل بينهم" (26)، وقال سيد قطب: "فلينظر الإنسان من أي شيء خلق وإلى أي شيء صار. . إنه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، خلق من هذا الماء الذي يجتمع من صلب الرجل وهو عظام ظهره الفقارية ومن ترائب المرأة وهي عظام صدرها .. ولقد كان هذا سرا مكنونا في علم الله لا يعلمه البشر حتى كان نصف القرن الأخير حيث اطلع العلم الحديث على هذه الحقيقة بطريقته؛ وعرف أنه في عظام الظهر الفقارية يتكون ماء الرجل، وفي عظام الصدر العلوية يتكون ماء المرأة حيث يلتقيان في قرار مكين فينشأ منهما الإنسان! والمسافة الهائلة بين المنشأ والمصير. . بين الماء الدافق الذي يخرج من بين الصلب والترائب وبين الإنسان المدرك العاقل المعقد التركيب العضوي والعصبي والعقلي والنفسي. . هذه المسافة الهائلة التي يعبرها الماء الدافق" (27).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير