تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويكون الخط الواصل بين الصلب والترائب منطبقا على محور الجنين في أكثر من 97% من الحالات في المجيئات الطولانية الرأسية أو المقعدية .. ولا يخرج جنين واحد أبدا عن مدلول الآية الكريمة, إذن لم يعد هناك شك في أن ضمير "يَخْرُجُ" عائد إلى الإنسان, وفي أن الله تعالى يلفت نظرنا إلى عملية الولادة المعقدة" (31).

(سادساً) موجز الدراسة الدلالية: في قوله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مّآءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ. إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ"؛ الماء الدافق تعبير وصفي للمني لأنه سائل تركيبه يماثل قطيرات الماء إلا أنه حي تتدفق تكويناته وتتحرك بنشاط ويصدق عليها الوصف بصيغة اسم الفاعل (دافق) لدلالته على الحركة الذاتية, وجميع الأوصاف عدا وصف الماء بالدافق تتعلق بالإنسان لأن بدء خلقه هو محور الحديث والموضوع الرئيس, وهو المستدل به على إمكان الإرجاع, وضمير (له) في قوله تعالى: "فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ" لا يستقيم عوده إلى الماء وإنما الإنسان, وضمير (رجعه) في قوله تعالى: "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" الأظهر عوده إلى الإنسان والإرجاع هو إعادة الخلق للحساب بقرينة وقت الإرجاع "يَوْمَ تُبْلَىَ السّرَآئِرُ", ولا توجد ضرورة لتشتيت مرجع الضمائر في "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" و"خُلِقَ مِن مّآءٍ" و (رجعه) في "إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ" و"فَمَا لَهُ مِن قُوّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ" ولذا الأولى عود ضمير (يخرج) في "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" إلى الإنسان كذلك مثلها, خاصة أن المني لا يخرج بذاته كذلك وإنما من الخصية, والوصف بالإخراج آية مستقلة كبيان متصل بأصل الحديث عن الإنسان, وبيان القدرة الإلهية وسبق التقدير أجلى والاستدلال على إمكان الإعادة أوثق في إخراج الذرية من ظهور الأسلاف, والتلازم قائم بين (إخراج) الإنسان للدنيا وليداً و (إرجاعه) حياً بينما لا تلازم بين (إخراج) المني و (إرجاع) الإنسان, والخروج من الظهور مُبَيَّن في قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ" [الأعراف:172] , وقوله: "أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَلابِكُمْ" [النساء: 23] , ولم يرد في القرآن فعل (الإخراج) متعلقا بالمني بينما ورد كثيرا متعلقا بالإنسان لبيان خروجه للدنيا وليداً وخروجه حياً للحساب.

والحقيقة العلمية هي أن الأصول الخلوية للخصية في الذكر أو المبيض في الأنثى تجتمع في ظهر الأبوين خلال نشأتهما الجنينية ثم تخرج من الظهر من منطقة بين بدايات العمود الفقري وبدايات الضلوع ليهاجر المبيض إلى الحوض بجانب الرحم وتهاجر الخصية إلى كيس الصفن حيث الحرارة أقل وإلا فشلت في إنتاج الحيوانات المنوية وتصبح معرضة للتحول إلى ورم سرطاني إذا لم تُكمل رحلتها, والتعبير "يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصّلْبِ وَالتّرَآئِبِ" يفي بوصف تاريخ نشأة الذرية ويستوعب كافة الأحداث الدالة على سبق التقدير وبالغ الاقتدار والإتقان منذ اجتماع الأصول الخلوية في الأصلاب ونشأة عضو إنتاج الذرية وهجرته خلف أحشاء البطن ابتداءً من المنطقة بين الصلب والترائب إلى المستقر, وحتى يولد الأبوان ويبلغان ويتزاوجان وتخلق الذرية مما يماثل نطفة ماء في التركيب عديمة البشرية لكنها حية تتدفق ذاتياً لتندمج مع نطفة نظير فتتكون النطفة الأمشاج من الجنسين, ويستمر فعل الإخراج ساري المفعول ليحكي قصة جيل آخر لجنين يتخلق ليخرج للدنيا وليداً وينمو فيغفل عن قدرة مبدعه, وكل هذا الإتقان المتجدد في الخلق ليشمل تاريخ كل إنسان عبر عنه العليم الحكيم بلفظة واحدة تستوعب دلالاتها كل الأحداث: "يَخْرُجُ" , فأي اقتدار وتمكن في الخلق والتعبير!.

إحكام في البيان

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير