الله وواسع تدابيره وحكمته؛ ناطقةً:
"إِنّهُ عَلَىَ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ". قال ابن عاشور: "التقدير: إن رأيتم البعث محالاً "فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمّ خُلِقَ" ليعلم أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول, فهذه الفاء مفيدة مفاد فاء الفصيحة, والنظر نظر العقل وهو التفكر المؤدي إلى علم شيء بالاستدلال, فالمأمور به نظر المنكر للبعث في أدلة إثباته" (33). وقال ابن القيم: "والتفكر في القرآن نوعان: تفكر فيه ليقع على مراد الرب تعالى منه وتفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه, فالأول تفكر في الدليل القرآني والثاني تفكر في الدليل العياني, الأول تفكر في آياته المسموعة والثاني تفكر في آياته المشهودة, ولهذا أنزل الله القرآن ليتدبر ويتفكر فيه ويعمل به .. , قال تعالى:
"أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ. ثُمّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّىَ. فَجَعَلَ مِنْهُ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ" [القيامة: 36 - 40] , وقال تعالى: "أَلَمْ نَخْلُقكّم مّن مّآءٍ مّهِينٍ. فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مّكِينٍ. إِلَىَ قَدَرٍ مّعْلُومٍ. فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ" [المرسلات: 20 - 23] , وقال:
"أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ" [يس: 77] , وقال: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ. ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ. ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" [المؤمنون: 12 - 14] , وهذا كثير في القرآن يدعو العبد إلى النظر والتفكر في مبدأ خلقه .. إذ نفسه وخلقه من أعظم الدلائل على خالقه وفاطره, وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه, وفيه من العجائب الدالة على عظمة الله ما تنقضي الأعمار في الوقوف على بعضه, وهو غافل عنه معرض عن التفكر فيه, ولو تفكر في نفسه لزجره ما يعلم من عجائب خلقه عن كفره, قال الله تعالى: "قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ. مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ. مِن نّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ. ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ. ثُمّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ. ثُمّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ" [عبس: 17 - 22] , فَلَمْ يكرر سبحانه على أسماعنا وعقولنا ذكر هذا لنسمع لفظ النطفة والعلقة والمضغة والتراب ولا لنتكلم بها فقط ولا لمجرد تعريفنا بذلك, بل لأمر وراء ذلك كله هو المقصود بالخطاب وإليه جرى ذلك الحديث, فانظر الآن إلى النطفة (الأمشاج) بعين البصيرة وهي (مثل) قطرة من ماء .. كيف استخرجها رب الأرباب العليم القدير "من بين الصلب والترائب" منقادة لقدرته مطيعة لمشيئته مذللة الانقياد على ضيق طرقها واختلاف مجاريها (في أصلاب الأسلاف) إلى أن ساقها إلى مستقرها! " (34). ولا يملك أحد أن يستوعب كل تفصيلات الإبداع في هذا الوجود والتي أجملها قول العلى القدير: "أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىَ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىَ"! [القيامة40] , وأما التفاصيل العلمية التي يستحيل أن يدركها بشر زمن التنزيل فهي بعض دلائل النبوة الخاتمة التي تسطع اليوم أمام النابهين.
(1) فيض القدير ج: 5 ص: 3.
(2) زاد المسير ج: 3 ص: 173.
(3) تفسير القرطبي ج: 7 ص: 314.
(4) روح المعاني ج: 23 ص: 40.
(5) زاد المسير ج: 3 ص: 286.
(6) تفسير الواحدي ج: 1 ص: 420.
(7) تفسير البغوي ج: 2 ص: 212.
(8) التبيان في تفسير غريب القرآن ج: 1 ص: 107.
(9) تفسير القرطبي ج: 20 ص: 151.
(10) تفسير القرطبي ج: 5 ص: 195.
(11) زاد المسير ج: 7 ص: 22.
(12) تفسير ابن كثير ج2ص216.
(13) المفردات في غريب القرآن ج1ص284.
(14) زاد المسير ج3ص284.
(15) الجلالين ج1ص220.
(16) تفسير القرطبي ج: 10 ص: 68.
(17) تفسير القرطبي ج: 10 ص: 125.
(18) الثعالبي ج: 4 ص: 402.
(19) الألوسي 30/ 97.
(20) روح المعاني ج: 19 ص: 35.
(21) الإتقان ج: 1 ص: 556.
(22) فتح القدير ج: 5 ص: 420.
(23) الدر المنثور ج: 8 ص: 476.
(24) تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 499.
(25) محاسن التأويل للقاسمي ج10ص120.
(26) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور, ج30ص261.
(27) الظلال ص3878.
(28) القرآن والطب, ط1, 1416هـ (1995م) , ص57.
(29) تفسير المراغي ج10ص112.
(30) خلق الإنسان بين الطب والقرآن, ط5, 1984, ص114 - 124,
(الطبعة الأولى عام: 1400هـ - 1980م).
(31) القرار المكين, ط1, 1406هـ (1985) ,
ص154 - 159 و276 - 285.
(32) البرهان في علوم القرآن ج3ص213.
(33) تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور, ج30ص261.
(34) مفتاح دار السعادة ج: 1 ص: 190.
http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_*******.cfm?catid=73&artid=3450
¥