وقال أبو عمرو: أظن أن ام حرام أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اختها ام سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة، فلذلك كانت تفلي رأسه وينام عندها، وتنال منه ما يجوز لذي محرم أن يناله من محارمه ولا يشك مسلم ان أم حرام كانت محرما له، ثم روي عن يحيى بن ابراهيم بن مزين قال: انما استجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفلي ام حرام رأسه لانها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته، لان أم عبد المطلب بن هاشم كانت من بني النجار. ومن طريق يونس بن عبد الاعلى: قال لنا ابن وهب: ام حرام احدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة فلذلك كان يقيل عندها وينام في حجرها وتفلي رأسه. قال الحضيري: ويؤيده ما في صحيح البخاري من حديث اسحاق بن عبد الله بن أبي
/ صفحة 445 /
طلحة حدثني أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خاله حراما أخا أم سليم في سبعين راكبا. . . الحديث وهذا هو حرام بن ملحان فبهذا السن خال النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لام سليم، ولكن ما هي الا خؤولة الرضاعة، قلت: وهذا الذي قاله فيه نظر، بل الضمير في قوله في حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - بعث لام سليم عائدة على السن فان حراما أخا أم سليم خال أنس بلا خلاف.
وقال النووي: اتفق العلماء على أنها - يعني أم حرام - كانت محرمة له صلى الله عليه وسلم واختلفوا في كيفية ذلك، فقال ابن عبد البر وغيره: كانت احدى خالاته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة. وقال آخرون: بل كانت خالة لابيه أو لجده، لان عبد المطلب كانت أمه من بني النجار،
وتعقبه ابن الملقن فقال: ما ذكر من الاتفاق على أنها كانت محرما له فيه نظر، فمن أحاط بنسب النبي صلى الله عليه وسلم ونسب أم حرام علم انه لا محرمية بينهما، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم، وقد نهي عن الخلوة بالاجنبية نهي تحريم، فيحمل فعله هذا على الاختصاص وقد ادعاه بعض شيوخنا.
وأجيب عن النووي بأنه لم يرد أن أم حرام كانت محرما من جهة النسب، فانه أعلم الناس بنسبهما، وانما أراد محرمية الرضاع التي حكاها ابن عبد البر وذهب إليها بلا شك،
وحكى القاضي أبو بكر بن العربي: كلام ابن وهب وقال غيره: بل كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما يملك اربه عن زوجته فكيف عن غيرها، وهو المبرأ عن كل فعل قبيح، وقوله رفث فكان ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب،
قال الحافظ: ورد بان ذلك كان بعد الحجاب والقصة كانت بعد حجة الوداع. وقال الحافظ الدمياطي: زهل من زعم ان أم حرام احدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو من النسب وكل من أثبت لها خؤولة تقتضي محرمية لان امهاته من النسب واللاتي عنه
صلى الله عليه وسلم معلومات ليس فيهن أحد من الانصار التبة سوى أم عبد المطلب وهي سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وأم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، فلا تجتمع أم حرام وسلمى الا من عامر بن غنم جدهما الاعلى، وهذه الخؤولة المذكورة لا تثبت بها محرمية، لانها خؤولة مجازية، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: (هذا خالي) لكونه من بني زهرة وهي من أقارب أمه آمنة بنت وهب، وليس سعد أخا لامنة لا من النسب ولا من الرضاع ثم قال الدمياطي على انه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بام حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع.
/ صفحة 446 /
قال الحافظ: وهو احتمال قوى لكنه لا يدفع الاشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذلك النوم في الحجر قال: وأحسن الاجوبة عند الخصوصية، فلا يردها كونها لا تثبت الا بدليل، لان الدليل على ذلك واضح.
وقال الحافظ الدمياطي: وهم في ام حرام من جعلها من خالات النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أو النسب وأثبت لها خؤولة توجب محرمية لان امهاته صلى الله عليه وسلم اللاتي ولدته وأصهاره اللاتي أرضعنه كلهن من مضر وربيعة مرعى ولد اسماعيل وجرهم وقضاعة وخزاعة، ومن بني عامر النجار ومن الازد ليس فيهن من بني قبيلة الاوس والخزرج سوى ام عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن عدي بن النجار وحرام وسليم وام حرام وام سليم وأم عبد الله، وكلهم أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم أولاد ملحان، واسم ملحان: مالك بن خلال بن زيد بن حرام وجندب بن عامر بن غنم بن عديى بن النجار، فلا يجتمع ملحان وسلمى الا في عامر بن غنم، وهذه خؤولة بعيدة لا تثبت محرمية، ولا تمنع صالحا، لكن العرب تستعملها كثيرا توسعا كقوله صلى الله عليه وسلم في سعد بن أبي وقاص ابن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة (هذا خالي، فليرني امرؤ خاله)، وآمنه بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة من كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. وكقول عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - فقلت: خالي يعني العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأم عمرو بنت هاشم بن المغيرة بنت عم العاص كما ورد انه صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه بالمدينة فرأى امرأة حسنة فقال: من هذه؟ فقالت: احدى خالاتك يا رسول الله، فقال: ان خالاتي في هذه الارض لغرائب من هذه؟ فقالت: هذه خالدة بنت الاسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة فقال: (سبحان الذي يخرج الحي من الميت)، كان أبوها الاسود من المستهزئين، مات كافرا، وهي بنت خاله، ونحوه هذا كثير، إذا كانت أم الرجل من غير قبيلة أبيه كانت قبيلة أمه أخواله على وجه الاستعارة والمجاز، وذكر كلاما ثم قال: فقد ثبت بمجموع ما ذكرنا من الخصائص لام حرام وأم سليم (رضي الله عنه) وهذا الحكم خاص بهما والله أعلم.
¥