تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[تأملات في " الداء والدواء " [2] للمدارسة]

ـ[أبو مجاهد النجدي]ــــــــ[26 - 09 - 03, 07:42 ص]ـ

[2]

وصف أهل السعادة وحالهم

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله (61):

" واللهُ سبحانه وصفَ أهلَ السعادةِ بالإحسان مع الخوفِ، ووصفَ الأشقياء بالإساءةِ مع الأمن.

ومن تأمل أحولَ الصحابةِ رضي الله عنهم وجدَهم في غاية العمل مع غاية الخوف.

ونحن جمعنا بين التقصير _ بل والتفريط _ والأمن؛.

فهذا الصديق رضي الله عنه يقول:

" وددت أني شعرةٌ في جَنب عبدٍ مؤمن " ذكره أحمد عنه.

وذُكِر عنه أنه كان يمسك بلسانه ويقول: " هذا الذي أوردني الموارد "

وكان يبكي كثيراً، ويقول: " ابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا "

وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عودٌ من خشية الله عزّ وجل.

وأُتِي بطائر فقلَّبه ثم قال: " ما صِيدَ من صَيْدٍ، ولا قُطعتْ من شجرةٍ إلا بما ضيّعتْ من التسبيح "

ولما احتضر قال لعائشة: " يا بنية! إني أصبتُ من مال المسلمين هذه العباءة وهذا الحلاب وهذا العبد، فأسرعي به إلى ابن الخطاب "

وقال: " والله لوددتُ أني كنتُ هذه الشجرة تؤكل وتُعْضَد "

وقال قتادة: بلغني أن أبا بكرٍ قال: " وددتُ أني خَضِرةٌ تأكلني الدواب "

وهذا عمر قرأ سورة الطور حتى بلغ (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) [الطور: 7] بكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه.

وقال لابنه وهو في الموت: " ويحك ضع خدي على الأرض، عساه أن يرحمني " ثم قال:

" ويل أمي إن لم يغفر لي " ثلاثاً ثم قضى.

وكان يمر بالآية في ورده بالليلة فتخيفة، فيبقى في البيت أياماً يُعاد، يحسبونه مريضاً.

وكان في وجههِ رضي الله عنه خطّان أسودان من البكاء.

وقال له ابن عباس رضي الله عنه: مصَّر الله بك الأمصار، وفتحَ بك الفتوح، وفعل، وفعل، فقال: " وددتُ أني أنجو لا أجْرَ ولا وِزْر "

وهذا عثمانُ بن عفان رضي الله عنه، كان إذا وقف على القبرِ يبكى حتى تبتلَّ لحيتُهُ.

وقال: " لو أنني بين الجنةِ والنارِ لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي؛ لأخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتهما أصيرُ "

وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبكاؤه وخوفه:

وكان يشتد خوفه من اثنتين:

طول الأمل، واتباع الهوى؛ قال: " فأما طول الأملِ فينسي الآخرةَ، وأما اتباع الهوى فيصدُّ عن الحق، ألا وإنّ الدنيا قد ولَّتْ مدبرة، والآخرة مقبلةٌ، ولكل واحدةٍ بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإنّ اليوم عملٌ ولا حسابٌ، وغداً حسابٌ ولا عملٌ " أهـ

قال مقيده _ عفا الله عنه _:

أرأيت _ نوّر الله بصيرتك _ كيف كان القوم، وكيف كان حُسْنُ العملِ، وحسن الظن بالله تعالى، والخوف منه. حلّقوا بجناحيْ الخوف والرجاء، وهم يعلموا عين مآلهم.

أؤلئك شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وهم داخلوها لا محالة حقٌ على الله ووفاء وعدٍ أعطاهم الله إياه

وهذا حالهم، وتلك حكاية مآلهم.

ولكن تعال إلى حالنا _ عفا الله عني وعنك _ ماذا عنّا؟

وكيف حالنا؟

وأين حُسْن عملنا، ورجائنا؟

تعال لنغطي وجوهنا بمدادٍ أسود حتى لا نكابر ونشمخ بأنفسنا بأننا أهل الصلاح والتقوى وليس نحن بذاك حقيقة ً.

تعال _ بصرني الله وإياك للهداية _ لنعرف سواد قلبي وقلبك، فنغسلهما بثلج الطاعة وماء الحياء من الله وبرد المعرفة والصلاح.

تعال لنداوي قلبي وقلبك. ونتأمل قول ربنا: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) فهلاّ تزكّينا.

تعال لنمرّغ أنوفنا في التراب، ولنضع الخد على الأرض لنسْلُلْ سخيمة قلوبنا، فتصلح وربي.

تعال لتضع يدي بيدك ونجاهد أنفسنا وهوانا في ثنيهما عن العواقب الوخيمة.

تعال لنزكّي روحي ورحك، ونرتع برياض النور والإيمان. تعال ... تعال .. رحمني الله وإياك.

فيا أخي:

كفى عبثاً بأرواحنا وقلوبنا وأنفسنا وتضييع مراد الله منها.

كفى عبثاً بهتك حرمة الملك في أجسادنا.

ألم نفق بعدُ لنعي ونعمل جاهدين في صفاء قلوبنا، وتهذيب نفوسنا، وإصلاح ديننا المرقع.

ألم يأن بعد إلى عبادةٍ كعبادتهم، ولذةٍ كلذتهم، وصلاحٍ كصلاحهم.

مابالنا؟ أين عقولنا. أعشعش فيها الشيطان وفرخ.؟

أصُلِّي على قلوبنا أربعاً؟

فيا من يرجوا ففكاك نفسه في ذلكم الميعاد، ويأمل من ربه إلحاقه بخير العباد، دونكم أنفسكم وقلوبكم وأرواحكم، خلّصوها وهذبوها وزكّوها قبل أن يحال بينكم، فهذا زادكم، وهو مبلغكم إلى مرضاة ربكم.

وقد نصحتكم.

ـ[أبو العالية]ــــــــ[30 - 09 - 03, 05:06 ص]ـ

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد ..

الأخ الفاضل الكريم / أبو مجاهد النجدي

وفقه الله ورزقه ما يرجوه.

أحسنت أخي الغالي.

نفع الله بكم، كم نحن بحاجة إلى مثل هذه الوقفات والنصائح الإيمانية.

حلقت بنا في ذكريات الرعيل الأول، فهم وربي قد حازوا قصب السبق في كل شيء واستولوا على معالي الأمور من الفضل والمعروف والصدقة والعفة والكرامة والإحسان وعلو الهمة والنزاهة والشجاعة والتواضع وطيب النفس والسخاء وروعة التفنن في الإخاء. فلله درهم

هم مشعلٌ من مشاعل العلم والإيمان فرضي الله عنهم

والله وبالله وتالله السعيد من اتبع طريقتهم واقتفى أثرهم والشقي من عدل عن طريقتهم ولم يبلغ منهجهم، فأي خطة رشدٍ لم يستولوا عليها، وأي خصلة خيرٍ لم يسبقوا عليها.

تالله لقد وردوا ينبوع الحياة عذباً صافياً زلالا، ووطّدوا قواعد الدين والمعروف فلم يدعوا لأحدٍ بعدهم مقالاً. فرضي الله عنهم وأرضاهم.

ويقول الشيباني في قصيدته واصفاً صحابة رسول الله:

" ونشهد أن الله خص رسوله ... بأصحابه الأبرار فضلاً وايّدا

فهم خير خلقِ الله بعد أنبيائه ... بهم يقتدي في الدين كل من اقتدى

ثم قال:

فكلهم أثنى الإله عليهم ... وأثنى رسول الله عليهم وأكدا

فلا تك رافضياً فتعتدي ... فويلٌ ثم ويلٌ في الورى لمن اعتدى "

فقاتل الله الرافضة، ما أقبح ذنبهم، وما أشد خزيهم.

اللهم احشرهم مع فرعون وهامان وقارون.

والله أعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير