تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

.. فنزلت. [تفسير القرطبي: 6/ 177]

و في سنن أبي داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: زَنَى رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ وَ امْرَأَةٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبيِّ فَإِنَّهُ نَبِيٌّ بُعِثَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنْ أَفْتَانَا بِفُتْيَا دُونَ الرَّجْمِ قَبِلْنَاهَا وَاحْتَجَجْنَا بِهَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْنَا فُتْيَا نَبيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِكَ.

المسألة الخامسة:

تشبّثَ دُعاة التيسير من المفتين المُعاصِرين بجملة من الشُبَه، انتصاراً لمذهبهم، و من ذلك:

شبهتهم الأولى و ردُّها: استدلالهم بعموم النصوص الدالّة على أنّ التيسير و رَفع المشقّة مقصد من مقاصَد التشريع الإسلامي، كقوله تعالى:

(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: 185].

و يغفلون عن صدر هذه الآية الذي فيه رَفعُ رُخصة الفطر في رَمضان مع الكفّارة لمن قدِرَ على الصوم، و هو ما ثبتَ بقوله تعالى في الآية السابقة لها: (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ).

رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَلَمَة بْن الأَكْوَع أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِر و يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الآيَة الَّتِي بَعْدهَا فَنَسَخَتْهَا.

قلتُ: و هذا من قبيل النسخ بالأشد، و هو من التشديد و ليس من التيسير، في شيءٍ، فتأمّل!

و مثل ذلك استدلالهم بقوله تعالى: (وَ مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78]، متغافلين عن صدر الآية ذاتها، و هو قوله تعالى: (وَ جَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ) مع أنّه لا مشقّة تفوق مشقّة الجهاد و التكليف به، فبقي أن يُحمل رَفع الحرج على ما رُفِعَ بنصّ الشارع الحكيم سبحانه، لا بآراء المُيَسّرين.

و من هذا القبيل ما رواه الشيخان في صحيحيهما، و أبو داود في سننه , و أحمد في مسنده، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها، قَالَتْ: (مَا خُيِّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ).

و ما رواه البخاري في كتاب العلم من صحيحه، و مسلم في الجهاد و السير عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه , عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا، و بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا».

و في روايةٍ للبخاري في كتاب الأدب: «يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا، و سَكِّنُوا و لاَ تُنَفِّرُوا».

و روى مسلم و أبو داود عَنْ أَبِى مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: «بَشِّرُوا و لاَ تُنَفِّرُوا و يَسِّرُوا و لاَ تُعَسِّرُوا».

قلتُ: جميع ما تقدّم من نصوص الوحيَين، و كثيرٌ غيره ممّا يقرّر قيام الشريعة الغرّاء على اليُسر و نفي الضرر، و رفع الحَرَج، فهِمَه الميسّرون على غير وجهه، و حمّلوه ما لا يحتمل، متعنّتين في توجيهه لنُصرة شُبهَتهم القاضيةَ بجَعل التيسير في الفتوى منهاجاً رَشَداً، و فيما يلي نقضُ غَزلهم، و كشف شبههم إن شاء الله:

أوّلاً: ثمّة فرقٌ لغويٌ بين اليُسر و التيسير، فاليُسر صفةٌ لازمةٌ للشريعة الإسلاميّة، و مقصدٌ من مقاصدها التشريعيّة جاء به الكتاب و السنّة، و أنزله النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و السلفُ الصالحُ منزلَتَه، أمّا التيسير فهو من فِعل البشر، و يعني جَعلَ ما ليس بميسَّرٍ في الأصل يسيراً، و هذا مَوطِنُ الخَلل.

ثانياً: إن اختيار النبيّ صلّى الله عليه و سلّم للأيسر في كلّ أمرين خُيِّرَ بينهما، كما في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدّم فيه أربع نكات لطيفةٍ:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير