تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

و قال السيخ منصور البهوتي الحنبلي: (و ليس لمن انتسب إلى مذهب إمام إذا استفتى في مسألة ذات قولين أو وجهين، بأن يتخير و يعمل بأيّهما شاء، بل يُراعي ألفاظَ الأئمة و متأخرهما و أقربهما من الكتاب و السنة) [كشاف القناع: 6/ 300].

شبهتهم الثالثة و ردُّها: تذرّعوا بما روي عن السلف و الأئمة المتّبعين بإحسان، من استحباب الأخذ بالرُخص، و من ذلك، قول قتادة رحمه الله: (ابتغوا الرخصة التي كَتَب الله لكم) [انظره في: تحفة المولود، ص: 8].

و قول سفيان الثوري رحمه الله: (إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد) [آداب الفتوى للنووي، ص: 37].

و قول شيخ الإسلام ابن تيميّة: (إذا فعل المؤمن ما أُبيح له قاصداً العدول عن الحرام لحاجته إليه فإنّه يثاب على ذلك) [مجموع الفتاوى: 7/ 48].

و قول ابن القيّم: (الرخص في العبادات أفضل من الشدائد) [شرح العمدة: 2/ 541].

إلى غير ذلك ممّا وقفوا عليه فاحتجّوا به، أو غاب عنهم فأغفلوه.

و لو تأمّلنا ما أوردناه (و لا أعلَم لهم استدلالاً بغيره من أقوال الأئمّة) لما رأينا فيه دليلاً على التيسير الذي يُدندنُ حَوله المعاصرون، فقتادةُ يدعوا إلى الترخّص حيث شرع الله الرخصة، و لا يقول: رخِّصوا باستحسانكم، أو لمجرّد التخفيف عن العباد أو مسايرتهم.

و ابن تيميّة يذكر الاستغناء بالحلال عن الحرام، و ليس الإفتاء بعدَم حُرمةِ الحرَام أصلاً، أو اختيار قول من يعدل عن التحريم إلى التحليل أو مجرّد الكراهة، و إن ضَعُفَت حُجّته، و وَهت شُبهته.

أمّا ابن القيّم فكلامه في الرخص في العبادات، و هذا لا خلاف فيه، أمّا دُعاة التيسير فقد وقعوا في تحليل الحرام، و تفي الكراهة عن المكروه، و شتّان ما بين المذهبين.

و ما يُروى عن سفيان رَحمه الله لا يؤخذ منه الترخيص بإسقاط الواجب، أو تحليل المحرّم، و لكنّه موجّه إلى ما ينبغي أن يفتيَ به العالم من وَقع في حرَج متيقّن ليعينه على القيام بما وَجَبَ عليه، لا ليُسقِطه عنه.

قال النووي: (و أما من صحَّ قصدُه , فاحتَسَبَ في طلب حيلةٍ لا شُبهةَ فيها , لتخليصٍ من ورطة يمينٍ و نحوها , فذلك حسن جميل، و عليه يُحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا , كقول سفيان: إنَّما العلم عندنا الرخصة من ثقة , فأما التشديد فيُحسنه كل أحد) [آداب الفتوى للنووي، ص: 37].

و الله أعلم.

المسألة السادسة:

التساهل في الفتيا بغير مستندٍ شرعيٍ مذمومٌ كُلُّه، و إن كانت بَعضُ صوره أشنع من بعض، و ذلك بحسب الباعث على التيسير، و قد ذكر بعض أهل العلمِ صوراً من التيسير المذموم، و من ذلك قول الإمام النووي رحمه الله: (و من التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة , و التمسُّكِ بالشبه طلباً للترخيص لمن يروم نفعَه أو التغليظَ على من يريد ضُرَّه) [آداب الفتوى للنووي، ص: 37].

و أشنع أنواع التيسير ما يفتي به المتزلّفون المتملّقون للحكّام من تبرير المنكرات، أو التهوين من شأن الواجبات، تبعاً للأغراض و الشهوات.

قال محدّث المغرب أبو الفضل عبد الله بن الصديق الغماري رحمه الله: (أمَّا الذين يُسارعون إلى إباحة بعض المحرمات , و يصدرون فتاوى يُرضون بها رؤساء بعض الحكومات، و قد تختلف فتاواهم بالتحليل و التحريم حسب اختلاف الأغراض و الشهوات , فهؤلاء مجتهدون في محو الدين , مُجدّون في تغيير أحكامه، و لن يُفلتوا من عقاب الله تعالى، و لا من شديد انتقامه، و ما الله بغافل عما يعملون) [خواطر دينيّة و بحوث غالية لابن الصديق الغماري، ص: 161].

المسألة السابعة:

بقيَ أنّ نبيّن المنهج الحق في الإفتاء و الترجيح و العمل، و هو الذي نوصي به أنفسنا و إخواننا، و ليسَ إلا اتباع الكتاب و السنّة، و ما شهدا بصحّته من الأدلّة الشرعيّة (الإجماع و القياس المنضبط)، و تقرير ذلك مبسوطٌ في كتب الأئمّة، و لا حاجة لتقصّيه في هذه العُجالة، بل نكتفي منه بقول الحافظ الذهبي: (من بلغ رتبة الاجتهاد، وشهد له بذلك عدة من الأئمة، لم يسغ له أن يقلد، كما أن الفقيه المبتدئ و العامي الذي يحفظ القرآن أو كثيراً منه لا يسوغ له الاجتهاد أبداً، فكيف يجتهد و ما الذي يقول؟ وعلام يبني؟ و كيف يطير ولما يُريِّش؟ و القسم الثالث: الفقيه المنتهي اليقظ الفهم المحدث، الذي قد حفظ مختصراً في الفروع، و كتاباً في قواعد الأصول و قرأ النحو، و شارك في الفضائل، مع حفظه لكتاب الله و تشاغله بتفسيره و قوة مناظرته، فهذه رتبة من بلغ الاجتهاد المقيَّد، و تأهل للنظر في دلائل الأئمة، فمتى وضح له الحق في مسالة و ثبت فيها النص و عمل بها أحد الأئمة الأعلام ... فليتبع فيها الحق و لا يسلك سبيل الرخص، و ليتورع، و لا يسعه فيها بعد قيام الحجة عليه تقليد). [سير أعلام النبلاء: 18/ 191].

و الله نسأل أن يوفّقنا، و الأخ السائل، و سائر من بلغه كتابُنا هذا إلى خير القول و العمَل، و أن يعصمنا بمنّه و فضله من الضلالة و الزلل.

و الحمد لله ربّ العالمين.

كتبه

د. أحمد عبد الكريم نجيب

Dr.Ahmad Najeeb

[email protected]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير