تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لا خلاف أخي الفاضل أنه قد يعلم المحدث الناقد بل من هو أقل منه أحيانا ضعف حديث ما بل وضعه بمجرد سماعه دون سماع إسناده فضلا عن البحث عن أحوال رجاله، لكن هل هذه قاعدة مطردة، أم هي بعض الأحاديث مما قامت على رده القرائن، كما ذكر بعض ذلك ابن القيم في المنار المنيف، وبعض هذه القرائن لا يطلع عليها إلا حذاق أهل الحديث ممن (تضلع في معرفة السنن الصحيحة، وخلطت بدمه ولحمه، وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه ويدعو إليه، وبحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث كأنه كان مخالطا للرسول صلى الله عليه وسلم كواحد من أصحابه، ومثل هذا يعرف من أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز ما لا يعرفه غيره، وهذا شأن كل متبع مع متبوعه، فللأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله، من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب غليه وما لا يصح ما ليس لمن لا يكون كذلك) [المنار المنيف 35 - 36]، وليس هكذا أحاديث الثقات الحفاظ، مع وجود الأخطاء والمخالفات والأوهام في أحاديثهم.

فالقول بأن المحدثين كانوا يحكمون قبل النظر في الإسناد، يحتاج إلى تفصيل من صاحبه، ماذا يقصد: هل هو تشهي؟ أما ماذا؟ إن كان هناك تفصيل وإنهم إنما كانوا يحكمون بناء على أمور معلومة لديهم ولو لم يذكروها فهذا صحيح، لكنه لا يسوغ هذا الإطلاق المجمل، ثم هو خطأ في نفسه، لأنهم لم يكونوا يفعلون ذلك دائما، بل المار في كتب الجرح والتعديل والعلل والسنن وينظر أحكام الأئمة يجدهم يذكرون حكمهم على الحديث أحيانا بذكر حال راويه، وأحيانا بذكر غير ذلك من القرائن كقولهم أين أصحاب فلان؟ وهذا محسوس مشاهد حتى في أيامنا كأن ينقل لك رجل عن مجلس كنت موجودا فيه بأمر لم تسمعه ولم تشاهده فأنت يهجم عليك إنكاره قبل أن تسأله من أخبرك، مع وجود إمكانية صحة المنقول وغفلتك عنه، وكذلك أحاديث كثيرة إنما تكلموا في انقطاع اسانيدها، فهل ترى ذلك الحكم كان ابتداءا أم بعد النظر في حال اسناده؟

فإذا قامت لدى الإمام قرائن ظاهرة تعطي حكما على الحديث حكَمَ، وإلا فعلى ماذا يحكم أخي؟

قولك (ثم ينظر في السند ليرى من قد يكون المسؤول عن الخطأ ... فإذا تكرر هذا من ذلك الراوي حكم عليه بالترك ... )

هذا يكون في بعض الأحاديث، حيث ظهرت النكارة لقيام قرائنها، لكن هل كل حديث هكذا، ثم هل الأحاديث التي لا يظهر فيها قرائن الرد _ بغير السند _ يحكم عليها بالقبول؟ فإذا كان الحكم بالقبول فيه وصف زائد على عدم وجود قرائن الرد فكيف ساغ إطلاق أنهم يحكمون أولا ثم ينظرون إلى رجال السند!

قولك حفظك الله: (خلافا لما يفعله المعاصرون من الانتهاء بالحكم على الحديث بناء على درجات الرجال)

يا أخي خطأ من أخطأ لا يسوغ تقعيد خاطئ، كون من اقتصر في حكمه على الحديث على درجات الرجال أخطأ، ليس معناه تصويب الحكم مطلقا دون النظر إلى حال رجال السند، لماذا دائما كلما اخترعت قاعدة كان المُصدِّر لها والمقدم لها والداعي لها والرافع لها على رؤوس الأشهاد هو أنها مخالفة لما يفعله المعاصرون! كأن وصف العصري ملازم للباطل.

وكلامك عن الإمام مالك هل مؤداه أن كل حديث لا يعرفه مالك عن الزهري فلا يثبت عن الزهري عند مالك؟ بحيث يبتدئ بإنكاره إذا لم يعرفه، لا تقل رأى فيه نكارة، أو أو أو، لأننا انتهينا مما قامت له فيه قرينة ظاهرة، وإنما الكلام حيث لا قرينة سوى إنه منقول بإسناد معلوم متاح الاطلاع على رجاله، هل يقدم على الحكم ولم يقم مقتضاه في نفسه؟ إلا إذا كنت تقول أن كل الأئمة أمام كل حديث يأتيهم لديهم قرائن دائما للحكم عليه بدون إسناده وهذا عجيب.

وقولك حفظك الله (فإن البحث في صحة الأحاديث وضعفها بطريق النظر في رجال السند واحدا واحدا ليس منهجا صائبا في الحقيقة .. )

إذا تقرر ما سبق علم أن الحق ليس في معاكسة فعلهم تماما، فاقتصارهم في حكمهم على الأحاديث على النظر في رجال السند واحدا واحدا لا يجعل المنهج الصواب هو ترك النظر في الإسناد بالكلية إلا بعد الحكم، وإلصاق ذلك بمنهج السلف من أهل الحديث!

وإنما بنيت حواري معك أخي هيثم على فهمك لكلام الأستاذ، والله أعلم.

أما على قول الفاضل (المتمسك بالحق)، فصحيح هناك ما يسمى (الواقع الحديثي)، وله تأثير كبير على الحكم على الحديث قبولا وردا، وأن القضية ليست متعلقة بالرجال فقط، لكن هذا ليس مسوغا لإطلاقات غريبة ومجملة، والناظر يعلم أن الساحة العلمية لا زالت منهكة من الخلافات في اصطلاحات المتقدمين وما يقصدونه بكلامهم: كلام الشافعي في تقوية المرسل بالمسند، وكلامه في المتواتر، وكلام أحمد وغيره في الاعتبار، وكلام الترمذي في الحسن، وتقوية المرفوع بالموقوف، واصطلاحات أئمة الجرح والتعديل ومقاصدهم .... أمور كثيرة يحتاج فهمها وتحريرها وضبطها طالب العلم، نحن في غنى عن اصطلاحات جديدة _ بنية حسنة _، فضلا عن اصطلاحات مجملة يتنازع في تفسيرها، فضلا عن تقعيدات خاطئة تنسب إلى السلف.

وأنبه أن كلام الأستاذ المليباري ليس له متعلق بكلام المعلمي، فكلامه عن سبر مرويات الراوي ... ، لا يسوغ كل هذه الشعارات.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير