تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فما هو الأصل في كلام مسلم وما هو المستثنى؟ بل أكده في آخره كذلك بقوله ( .. حتى تكون الدلالة التي بيّنا) فما قبل الغاية هي الضرورة المستثناة؟ إن كان كلامنا في منطوقه فهو أمامك، وإن كان عندك أمر آخر يتبين به مقصده فأفدنا به نكن من الشاكرين، لكن لا يكون هذا الذي عندك هو مجرد كلام الأستاذ حمزة.

وما نقلته عن الخطيب في سبيل معرفة العلة لا اختلاف فيه، والكلام ليس في هذا، لم يقل لك أحد لا تخرج الحديث وتنظر مخارجه، وراجع التعقيبات السابقة جيدا، ولا يبقى في مخيلتك من الكلام فقط ما تريد إبعاده عن الشيخ حمزة، أو ما تريد الرد عليه من فعل العصريين أو أو.

لكن فسّر لنفسك ما عناه الخطيب بقوله آخر كلامه (ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط)، فما الحاجة إلى ذلك بعد الحكم في ظنك؟ أن أحكم ثم ألصق التهمة بعد ذلك من باب تتميم الفائدة فقط، وقد أنطقك الله فقلت في تعليقك على كلامه (فجمع الطرق لمعرفة الاختلافات بين الرواة ثم النظر إلى مكانتهم من الحفظ) طيب بشّرنا بشرك الله بالجنة ما تمام عبارتك في نفسك: ثم يحكم على الحديث بعد ذلك وعلى مواضع الخلاف والزيادة، أم قد وقع الحكم وخطّأت من خطّأت ثم نظرت إلى مكانتهم؟ سبحان الله! ما الميزان الذي رجحت به بين الاختلاف هل هو العدد فقط _ وهذا جواب بعض من نعرفهم _؟ إن كان هذا جوابك كذلك فلن أتعب نفسي في سرد أمثلة على ترجيحهم بغير ذلك مما هو معلوم، أم أنك تقول أن أهل الحديث لهم أوصاف أخرى مؤثرة في الترجيح بين أوجه الاختلاف؟ وطبعا عندك ليس منها أوصاف الرواة حفظا وإتقانا لأنهم غير معصومين، وطبعا لا أظنك تقول بما آنستنا به في افتتاحية خواطرك (صفاتهم من حيث الطول واللون ... ).

وتعليقك على كلام ابن سيرين عجيب، لم تخبرنا لم أخرج مسلم أثر ابن سيرين؟ هل كان يتكلم عن الجانب الديني دون الجانب العلمي، ولن ألزمك بتبويب النووي، لأن أسهل ما عليك أن تقول منهج المتأخرين، أو متأثر بالأصوليين، قل ما شئت، لكن لماذا أخرجه مسلم؟ ذكر (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم) ثم عقبه بقوله (لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم) ثم بقول طاوس: (إن كان صاحبك مليا فخذ عنه) قاله لمن قال: (حدثني فلا كيت وكيت)، ثم بعده بأثرين قول ابن المبارك (الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)، ثم قوله كذلك (بيننا وبين القوم القوائم _ أي الإسناد _)، ثم ويا للعجب! عقبه بهذا الأثر عن ابن المبارك أختم به هذه الفقرة حتى لا أطيل: _ بتصرف بسيط _

قال إسحاق بن إبراهيم لابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن! الحديث الذي جاء: (إن من البر بعد البر، أن تصلى لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك) فقال ابن المبارك: يا أبا إسحاق! عمن هذا؟ فقال: هذا من حديث شهاب بن خراش، فقال ابن المبارك: ثقة، عمّن؟ قال: عن الحجاج بن دينار، قال ابن المبارك: ثقة، عمن؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن المبارك: يا أبا أسحاق! إن بين الحجاج بين دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم مفاوز، تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف.

تدبر كلامهم بعيدا عن كلام المليباري، وأنظر هل تقعيده مبتكرا أم لا، وهل خالف السلف أم لا؟ على الأقل في هجومه على إطلاق كلام مجمل يحتمل أن يكون مخالفا لهم وليس له فيه حاجة إلا مشاكسة العصريين.

أخشى أن تكون قد تأثرت بروح الابتكار من شيخك، فابتكرت إجابة عن أثر ابن سيرين دون تدبر في صنيع مسلم وسياقه.

وما قاله الأخ الفاضل الشافعي (إن أخذ على ظاهره وبحرفيته فلم يحظ بالكثير من التطبيق العملي وقد حمل أهل العلم عن بعض من نسب إلى البدع أفرادهم وهل يوجد ... )

لعله ظهر مناسبة سياق من ساق كلام ابن سيرين وهي أن فيه رد الحديث بحال الرجل ابتداءا، سواء قلت لم يجر العمل على حرفيته أم لا، والاستدلال قائم به على كل الأحوال، على الحرفية وغيرها، فبدل من تعطيل كلامه، فليحمل على طريقة صحيحة، وأنتم في ملتقى أهل الحديث لا يخفاكم أن أهل السنة في عهد ابن سيرين في الحفظ والصدق ليسوا كالعهود التي بعدهم لذا يفرق النقاد بين مستوري هؤلاء وهؤلاء، وأن أهل البدع في ظهور شأنهم في عصرهم وهواهم مع ظهور أهل السنة وظهور دلائل الحق ما يتهّمون فيه بما لا يؤمن معه من الكذب والزيادة والنقص ما لا يكونوا فيه مثل من تأخر عنهم ممن لم يكونوا في عهود ظهور السنة وأهلها بالجملة، وظهور الدلائل ما يجزم به بهوى الرجل ما يخشى منه الكذب والزيادة والنقص، فهناك فرق في المتقدمين والمتأخرين حفظا وصدقا وأمانة على الوجهين، ففي عهد ابن سيرين من أهل البدع الخوارج والقدرية، أما الخوارج فقد اعترف صاحبهم أنهم كانوا إذا هووا أمرا صنعوا له حديثا، وأما القدرية وعلى رأسهم عمرو بن عبيد فقد كذبه أصحاب الحسن البصري كأيوب ويونس بن عبيد وابن عون وقتادة ومطر، ثم بعدهم كسفيان وغيره _ ولي تتبع لأحاديثه ومروياته عن الحسن وغيره، المرفوعة وغيرها، في التفسير والفقه وغير ذلك ضمن ترجمة مطولة مسندة عنه _ وهو كذاب أشر، وعلى كل كان للسلف غايات أخرى كذلك غير هذا من ترك أهل البدع، وهذا المحمل إنما ذكرته للفائدة مشاركة لإخواني لعدم تعطيل كلام السلف بالتشكيك فقط، ورغم ذلك يبقى ما استفاده الإمام مسلم من نقله في سياق رد المرويات العلمية لا الفتاوى الدينية.


أبو خليفة
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير