طبعا الكلام ليس فقط لاكتشاف خطأ في الإسناد من الجهات التي لا علاقة لها بالراوي، وإنما شامل لأصل رواية الراوي التي سمعها الناس منه، لأن الأئمة الذين ينقل كلامهم في العلل كلامهم يشمل هذا أولوية، فهل من سمع حديثا من راويه الموصوف لديه عدالة وديانة وحفظا _ وهذا يشمل جبل الحفظ _ يتوقف في حديثه حتى ينظر من خالفه ومن وافقه، فيتأكد من صوابه أو خطئه، أم أن الأمر فيه مبالغة.
طبعا لن يعدم الباحث من أمثلة توقَّف الأئمة في حديث بعض الثقات حتى رُفِع تفرُّدهم أو أو ... ، ولكن هل يستفاد من هذه الأمثلة أن كل راو في كل طبقة في كل حديث يتوقف في حديثه حتى يُتأكد هل أخطأ أم لا؟
لا أظن أن كلامي السابق فيه أنه لا يبحث مطلقا، أو أنه لا يستنكر حديث مطلقا، وإنما كنت عاضّا على جانب التفصيل، وعدم إطلاق قواعد مجملة تحتمل صور من الخطأ.
صحيح من وقف في حال رواية معينة من راو معين عن شيخ معين لا يقال فيه إنه لا يقبل الأفراد، لكن هل هذه قاعدة في كل حديث وكل
راو؟ ويقال إنها الأصل؟
ومن كلامي السابق ظاهر قولي إن الرواة تعلم درجتهم بسبر حديثهم، لكن ليس كل راو إنما يُعلم حاله بسبر حديثه وموازنته مع مرويات الناس فقط، فهناك درجات تعلم بدون هذا بمراحل، ولا تنسى ما يتعلق بالعدالة.
وفي كلامي الإنكار أن يحكم على كل حديث قبل معرفة حال رواته، ولست أنكر إنه قد يعلم خطأ الراوي قبل معرفة حاله، وقد يصحح بحديث قبل معرفة حال رواته، وعبارة الأخ هيثم التي نوقشت:
(الأئمة المتقدمون كانوا يبدؤون ب: الحكم على الحديث، وينتهون ب: الحكم على رجال السند)
وهذه كلية غير مطردة، وكان من النقاش حولها أنهم كيف يعلمون أنه أخطأ بزيادته أم حفظها فيحكمون بذلك؟ هل هو بالعدد فقط؟ فلا يحتاج معه في النظر في حال وصفة الزائد وغيره أم يحتاج؟ ليس بخاف أن الكلام ليس في هذا النوع فقط، ولكن الإطلاق يشمله، وصور الاختلاف زيادة ونقصا وقلبا وغير ذلك في الاسناد والمتن تشمل الاعداد المتكافئة كما تشمل الاعداد المختلفة اختلافا قليلا أو كثيرا، فالكلام يشمل صورا لا يعلم الحكم فيها على الاختلاف إلا بمعرفة حال الرواة، ومعرفة ذلك قبل أو بعد البحث أمر يتبع الأسلوب البحثي لا التقعيد العلمي الذي يثمر حقا أو باطلا، خاصة إذا علمنا أن السلف كانوا لا يحتاجون للبحث في الكتب عن حال الرجال كما نحتاجه نحن، فينبغي النظر إلى كلامهم ونظرهم بمنظور منفك عن المماثلة والمطابقة بين حالنا وحالهم في هذا، فلا يقال في ما ينبغي علينا هو كانوا يفعلونه مع اختلاف السبب والوصف.
ليس هناك شك أن مجرد وصف الراوي بالجملة لا يعطيك حكما خاصا بخطئه أم صوابه في حديثه المعين كما يعطيك ذلك مع البحث، ولكن يعطيك ظنا راجحا بصوابه حتى يقوم الدليل على خطئه فالتفاوت في الحالين ليس تفاوت الاحتجاج من عدمه، وحتى يقوم الدليل على ذلك لا يتوقف في رواية الثقة، إلا إذا كان ثمة أمرا يثير الاستنكار في حديثه، ولكن ليس ذلك مجرد التفرد، وإنما هو تفرد خاص، له أحوال خاصة، تنبئ اللبيب إلى وجود خطأ ما يستدعي البحث، فهنا قد يتوقف في رواية الراو، وليس كل راو تُفرِّد عنه قيل أين أصحابه؟! وتأمل أخي إلى قول الخليلي الذي نقلتَه: (وإذا أسند لك الحديث عن الزهري أو عن غيره من الأئمة فلا تحكم بصحته لمجرد الإسناد فقد يخطئ الثقة) فهل ترى كل الرواة الذين يسند عنهم الحديث كالزهري وغيره من الأئمة؟
ثم إن هذا الكلام المطلق _ السابق _ يشمل رواية فوق الواحد إذا تلقاها الراوي بسياق واحد، فهل يتوقف في روايتهم حتى يبحث ويوازن، ومن المعلوم إن ما فوق الواحد يخطئون كذلك.
كيف يقال (ثم ينظر في السند ليرى من قد يكون المسؤول عن الخطأ في هذه الرواية) كأن المقصود أنه لا يعلم إلى الآن حال رواة الإسناد، وقد خطّأ الرواية وانتهى، هذا لا يُمنع في بعض الروايات _ وقد بينت ذلك _، ولكن المنع يصُبّ حول جعل هذا منهجا مطردا في كل الروايات، وينسب إلى المتقدمين، ويقصد بهم المحدثون.
¥