تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقالوا أيضا: قد ثبت في صحيح مسلم أن رجلا أتى براوية من خمرإلى النبي صلى الله عليه وسلم فأهداها إليه، فقال الرسول عليه الصلاة و السلام: (أما علمت أنها قد حرمت) ثم سارة رجل أي كلم صاحب الراوية رجل بكلام سر فقال: (ماذا قلت؟) قال: قلت: يبيعها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه). فأخذ الرجل بفم الراوية فأراق الخمر، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسلها منه، ولا منعه من إراقتها هناك،

قالوا: فهذا دليل على أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية، ولو كانت حسية لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الراوية ونهاه عن إراقتها هناك.

وقالوا أيضا، الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليل بين يدل على النجاسة، وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة، فإن الأصل أنه طاهر، لكنه خبيث من الناحية العملية المعنوية ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسا، ألا ترى أن السم حراما وليس بنجس، فكل نجس حرام وليس كل حرام نجسا.

وبناء على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها: إنها ليست بنجسة لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا القول الذي ذكرناه أدلته، فتكون الكولونيا وشبهها ليست بنجسة أيضا، وإذا لم تكن نجسة فإنه لا يجب تطهير الثياب منها.

ولكن يبقى النظر: هل يحرم استعمال الكولونيا كطيب يتطيب به الإنسان أو لا يحرم؟

لننظر، يقول الله تعالى في الخمر: (فاجتنبوه) وهذا الاجتناب مطلق لم يقل اجتنبوه شربا أو استعمالا أو ما أشبه ذلك، فالله أمر أمرا مطلقا بالاجتناب، فهل يشمل ذلك مالو استعمله الإنسان كطيب أو نقول: إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه، لقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (1).وهذه العلة لا تثبت فيما إذا استعمله الإنسان في غير الشرب.

ولكننا نقول إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب، وأن يبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة، إلا أننا نرجع مرة ثانية إلى هذه الأطياب، هل النسبة التي تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار؟ لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه، فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به، لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم، إذ أن علة الحكم هي الموجبة له، فإذا فقدت العلة فقد الحكم، فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط، ويكون الشيء مباحا، فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلا من شربه، فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر، كما أنه لو سقطت قطرة من بول في ماء، ولم يتغير بها، فإنه يكون طاهرا، فكذلك إذا سقطت قطرة من خمر في شيء لم يتأثر بها، فإنه لا يكون خمرا، وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر.

ثم إنني أنبه هنا على مسألة تشتبه على بعض الطلبة، وهي أنهم يظنون أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام). يظنون أن معنى الحديث أنه إذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فإنه يكون حراما، وليس هذا معنى الحديث، بل معنى الحديث أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثر منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حراما، مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شرب منه الإنسان عشر زجاجات سكر، وإن شرب زجاجة لم يسكر، فإن هذه الزجاجة وإن لم تسكره تكون حراما، هذا معنى: (ما أسكر كثيره فقليله حرام). وليس المعنى ما أختلط به شيء من المسكر فهو حرام، لأنه إذا اختلط المسكر بالشيء ولم يظهر له أثر فإنه يكون حلالا، لعدم وجود العلة التي هي مناط الحكم، فينبغي أن يتنبه لذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير