ولكني مع هذا لا أستعمل هذه الأ طياب (الكولونيا) ولا أنهى عنها، إلا إذا أنه أصابني شيء من الجروح أو شبهها واحتجت إلى ذلك فإني أستعمله لأن الاشتباه يزول حكمه مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه، فإن الحاجة أمر يدعو إلى الفعل، والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط، ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه شيئا احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه، وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتاج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه. والله أعلم.
210) وسُئل فضيلته: عن حكم استعمال السوائل الكحولية لأغراض الطباعة والرسوم والخرائط والمختبرات العلمية إلخ؟
فأجاب بقوله: من المعلوم أن مادة الكحول تستخرج غالبا من الخشب وجذور القصب وأليافه، ويكثر جدا في قشور الحمضيات كالبرتقال والليمون، كما هو مشاهد، وهي عبارة عن سائل قابل للاحتراق سريع التبخر، وهو لو استعمل مفردا لكان قاتلا أو ضار أو مسببا للعاهات، لكنه إذا خلط بغيره بنسبة معينة جعل ذلك المخلوط مسكرا، فالكحول نفسها ليست تستعمل للشرب والسكر بها، ولكنها تمزج بغيرها فيحصل السكر بذلك المخلوط. وما كان مسكرا فهو خمر محرم بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، لكن هل هو نجس العين كالبول والعذرة؟ أو ليس بنجس العين ونجاسته معنوية؟ هذا موضع خلاف بين العلماء، واتفق جمهورهم على أنه نجس العين، والصواب عندي أنه ليس بنجس العين بل نجاسته معنوية وذلك للآتي:
أولا: لأنه لا دليل على نجاسته، وإذا لم يكن دليل على نجاسته فهو طاهر، لأن الأصل في الأشياء الطهارة، وليس كل محرم يكون نجسا، والسم محرم ليس بنجس، وأما قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (1)
قلنا: إن استعمالها في غير الشرب جائز لعدم انطباق هذه (رجس من عمل الشيطان) فكما أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة العين والذات فكذلك الخمر.
ثانيا: أن الخمر لما نزل تحريمها أريقت في أسواق المدينة، ولو كانت نجسة العين لحرمت إراقتها في طرق الناس كما يحرم إراقة البول في تلك الأسواق.
ثالثا: أن الخمر لما حرمت، لم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، بغسل الأواني منها، كما أمرهم بغسل الأواني من لحوم الحمر الأهلية حين حرمت، ولو كانت نجسة العين لأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أوانيهم منها.
وإذا تبين أن الخمر ليست نجسة العين، فإنه لا يجب غسل ما أصابته من الثياب والأواني وغيرها، ولا يحرم استعمالها في غير ما حرم استعمالها فيه، وهو الشرب ونحوه مما يؤدي إلى المفاسد التي جعلها الله مناط الحكم في التحريم.
فإن قيل أليس الله تعالى يقول: (فاجتنبوه) وهذا يقتضي اجتنابه على أي حال؟
فالجواب: أن الله تعالى علل الأمر بالاجتناب بقوله: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة) إلى آخر الآية، وهذه العلة لا تحصل فيما إذا استعمل في غير الشرب ونحوه، فإذا كان لهذه الكحول منافع خالية من هذه المفاسد التي ذكرها الله تعالى علة للأمر باجتنابه، فإنه ليس من حقنا أن نمنع الناس منها. وغاية ما نقول: إنها من الأمور المشتبهة، وجانب التحريم فيها ضعيف، فإذا دعت الحاجة إليها زال ذلك التحريم. وعلى هذا فاستعمال الكحول فيما ذكرتم من الأغراض لا بأس به إن شاء الله تعالى، لأن الله تعالى خلق لنا ما في الأرض جميعا، وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض جميعا، منه. وليس لنا أن نتحجز شيئا ونمنع عباد الله منه إلا بدليل من كتاب الله تعالى أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: أليست الخمر حرمت أريقت؟
قلنا: بلى، وذلك مبالغة في سرعة الامتثال وقطع تعلق النفوس بها، ثم إنه لا يظهر لنا أن لها منفعة في ذلك الوقت تستبقي لها. والله أعلم.
211) وسُئل: عن حكم استعمال الكحول في تعقيم الجروح وخلط بعض الأدوية بشيء من الكحول؟
¥