قلت: وهذا القول ليس بجيد، فأما استدلالهم بأن الميت يسمع قرع نعال المشيعين فهذا دلالة مفهوم، بينما أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – لصاحب السبتيتين [أن ينزعهما دلالة منطوق، والمنطوق يقدم على المفهوم، أما كون النعال السبتية خاصة لأهل الفخر فهذا القول كذلك ضعيف، إذ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ثبت عنه لبسها، فعن عبد الله بن جريج أنه قال لعبد الله بن عمر – رضي الله عنهما -:"رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها قال:ما هي يا ابن جريج؟ ... وفيه: "رأيتك تلبس النعال السبتية فقال: أما النعال السبتية فإني رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يلبس النعال السبتية التي فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها" [21]
عاشراً: من أزال نعلاً من موضع ووضعه بموضع آخر ضمنه إن فقد:
يجب على المرء إن دخل مسجداً ووجد نعلاً قد وُضِعت في مكان ما ثم أزال هذه النعل ووضع نعله مكانها أن يضمن النعل، لأنه لا يحق له إزاحتها ولكنه إن فعل فيجب عليه أن لا يضيع حقوق الآخرين، وأن يحفظها أو يضعها في مكان آمن، قال العلامة الوزاني المالكي – رحمه الله -:"من أزال نعلاً من موضع ووضعه بآخر ضمنه، لأنه لما نقله وجب عليه حفظه" [22]
الحادي عشر: النهي عن المشي في نعل واحدة إذا انقطعت إحداهما:
نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – عن المشي في نعل واحدة إذا انقطعت إحداهما حتى يصلحها، وقد أجمع العلماء على أن النهي للكراهة وليس للتحريم، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "إذا انقطع شِسْعُ أحدكم فلا يمش في الأخرى حتى يصلحها" [23]،قال النووي – رحمه الله -:"وسببه أن ذلك تشويه ومثلة ومخالف للوقار، ولأن المنتعلة تصير أرفع من الأخرى فيعسر مشيه وربما كان سبباً للعثار" [24].
قلت: قوله – صلى الله عليه وسلم -:"لا يمش" فهم منه بعض أهل العلم جواز الوقوف بنعل واحدة إذا عرض للنعل ما يحتاج إلى صلاحها، فنقل القاضي عياض عن الإمام مالك أنه قال:"يخلع الأخرى ويقف إذا كان في أرض حارة أو نحوها، مما يضر فيه المشي حتى يصلحها أو يمشي حافياً إن لم يكن ذلك"قال ابن عبد البر: هذا هو الصحيح في الفتوى والأثر، وعليه العلماء" [25]
قلت: ويكره كذلك المشي في نعلين مختلفين ذكره ابن مفلح في كتابه الآداب الشرعية [26].
فائدة: النهي عن المشي في نعل واحدة قد يدخل فيه كل لباس شفع، كإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى، كمن يلبس عباءة أو ما يسمى عند أهل الخليج "البشت"،فيخرج يده من الكم دون الأخرى، وينبغي على المرء ألا يفعل ذلك تركاً للشهرة وعدلاً بين الجوارح، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:"قد يدخل في هذا كل لباس شفع كالخفين، وإخراج اليد الواحدة من الكم دون الأخرى، وللتردي على أحد المنكبين دون الآخر، قاله الخطابي" [27]
الثاني عشر: النهي عن الانتعال قائماً إذا كان في لبسها تعب أو مشقة:
أخرج أبو داود في سننه من حديث جابر قال:"نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن ينتعل الرجل قائماً" [28]
قال الخطابي:"إنما نهى عن لبس النعل قائماً لأن لبسها قاعداً أسهل عليه وأمكن له، وربما كان ذلك سبباً لانقلابه إذا لبسها قائماً، فأمر بالقعود له والاستعانة باليد فيه ليأمن غائلته" [29]
قال المناوي:"والأمر للإرشاد لأن لبسها قاعداً أسهل وأمكن، ومنه أخذ الطيبي وغيره تخصيص النهي بما في لبسه قائماً تعب " [30]
الثالث عشر: عدم جواز وضع المصحف على النعل حتى لو كان نظيفاً لم يلبس:
يجب على المرء أن يحترم كتاب الله جل وعلا، فهذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإن من احترام القرآن حفظه وتلاوة آياته، وتدبره وفهم معانيه، وصيانته من الامتهان وعدم الاحترام.
وقد نص بعض أهل العلم على أن من امتهان المصحف وعدم احترامه، وضعه على نعل نظيف حتى لو لم يلبس، وقد نقل الوزاني في نوازله عن الشافعية قولهم بأنه:"لا يجوز وضع مصحف على نعل نظيف لم يلبس، لأن به نوع استهانة وقلة احترام" [31]
الرابع عشر: جواز لبس المؤذن النعال أثناء الأذان:
¥