تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومعلوم أن معاذًا غير قرشي وتأويله بدعوى انعقاد الإجماع بعد عمر أو تغيير رأيه إلى موافقة الجمهور. فاشتراط كونه قرشيًا هو الحق، ولكن النصوص الشرعية دلت على أن ذلك التقديم الواجب لهم في الإمامة مشروط بإقامتهم الدين وإطاعتهم للَّه ورسوله، فإن خالفوا أمر اللَّه فغيرهم ممن يطيع اللَّه تعالى? وينفذ أوامره أولى منهم.

فمن الأدلة الدالة على ذلك ما رواه البخاري في (صحيحه)، عن معاوية حيث قال: باب الأمراء من قريش. حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية وهو عنده في وفد من قريش: أن عبد اللَّه بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك قحطان فغضب، فقام فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فإنه قد بلغني أن رجالاً منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب اللَّه، ولا تؤثر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها. فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه اللَّه على وجهه ما أقاموا الدين». انتهى من «صحيح البخاري» بلفظه.

ومحل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أقاموا الدين» لأن لفظة «ما» فيه مصدرية ظرفية مقيدة لقوله: «إن هذا الأمر في قريش»؛ وتقرير المعنى إن هذا الأمر في قريش مدة إقامتهم الدين، ومفهومه: أنهم إن لم يقيموه لم يكن فيهم. وهذا هو التحقيق الذي لا شك فيه في معنى الحديث.

وقال ابن حجر في «فتح الباري» في الكلام على حديث معاوية هذا، ما نصه: وقد ورد في حديث أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه نظير ما وقع في حديث مع?وية، ذكره محمد بن إسح?ق في الكتاب الكبير. فذكر قصة سقيفة بني ساعدة، وبيعة أبي بكر وفيها: فقال أبو بكر: وإن هذا الأمر في قريش ما أطاعوا اللَّه واستقاموا على أمره. وقد جاءت الأحاديث التي أشرت إليها على ثلاثة أنحاء:

الأول: وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به. كما في الأحاديث التي ذكرتها في الباب الذي قبله حيث قال: «الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثًا: ما حكموا فعدلوا»، الحديث وفيه: «فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة اللَّه».

وليس في هذا ما يقتضي خروج الأمر عنهم.

الثاني: وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم. فعند أحمد وأبي يعلى من حديث ابن مسعود رفعه: «إنكم أهل هذا الأمر ما لم تحدثوا، فإذا غيرتم بعث اللَّه عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب». ورجاله ثقات إلا أنه من رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد اللَّه بن مسعود ولم يدركه، هذه رواية صالح بن كيسان عن عبيد اللَّه، وخالفه حبيب بن أبي ثابت فرواه عن القاسم بن محمد بن عبد الرحم?ن عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن أبي مسعود الأنصاري ولفظه: «لا يزال هذا الأمر فيكم وأنتم ولاته» الحديث.

وفي سماع عبيد اللَّه من أبي مسعود نظر مبني على الخلاف في سنة وفاته وله شاهد من مرسل عطاء بن يسار، أخرجه الشافعي والبيهقي من طريقه بسند صحيح إلى عطاء، ولفظه: قال لقريش: «أنتم أولى بهذا الأمر ما كنتم على الحق إلا أن تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة» وليس في هذا تصريح بخروج الأمر عنهم، وإن كان فيه إشعار به.

الثالث: الإذن في القيام عليهم وقتالهم، والإيذان بخروج الأمر عنهم كما أخرجه الطيالسي والطبراني من حديث ثوبان رفعه: «استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإن لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم، فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء». ورجاله تقات، إلا أن فيه انقطاعًا؛ لأن روايه سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان وله شاهد في الطبراني من حديث النعمان بن بشير بمعناه.

وأخرج أحمد من حديث ذي مِخْبَر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة بعدهما راء، وهو ابن أخي النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان هذا الأمر في حمير فنزعه اللَّه منهم وصيره في قريش وسيعود لهم» وسنده جيد، وهو شاهد قوي لحديث القحطاني فإن حمير يرجع نسبها إلى قحطان، وبه يقوى أن مفهوم حديث مع?وية: «ما أقاموا الدين» أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم. انتهى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير