تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

13 - والمراد بالبيعة بيعة أهل الحلّ والعقد، وهم: علماء المسلمين ورؤساؤهم ووجوه النّاس، الّذين يتيسّر اجتماعهم حالة البيعة بلا كلفةٍ عرفاً، ولكن هل يشترط عدد معيّن؟ اختلف في ذلك الفقهاء، فنقل عن بعض الحنفيّة أنّه يشترط جماعة دون تحديد عددٍ معيّنٍ. وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّها لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل الحلّ والعقد، بالحضور والمباشرة بصفقة اليد، وإشهاد الغائب منهم من كلّ بلدٍ، ليكون الرّضى به عامّاً، والتّسليم بإمامته إجماعاً.

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يشترط اتّفاق أهل الحلّ والعقد من سائر البلاد، لتعذّر ذلك وما فيه من المشقّة، وذكروا أقوالاً خمسةً في ذلك فقالت طائفة: أقلّ ما تنعقد به الإمامة خمسة، يجتمعون على عقدها أو يعقد أحدهم برضى الباقين، واستدلّوا بخلافة أبي بكرٍ لأنّها انعقدت بخمسةٍ اجتمعوا عليها، ثمّ تابعهم النّاس فيها. وجعل عمر الشّورى في ستّةٍ ليعقدوا لأحدهم برضى الخمسة.

وذهبت طائفة إلى أنّ الإمامة لا تنعقد بأقلّ من أربعين، لأنّها أشدّ خطراً من الجمعة، وهي لا تنعقد بأقلّ من أربعين، والرّاجح عندهم: أنّه لا يشترط عدد معيّن، بل لا يشترط عدد، حتّى لو انحصرت أهليّة الحلّ والعقد بواحدٍ مطاعٍ كفت بيعته لانعقاد الإمامة، ولزم على النّاس الموافقة والمتابعة.

شروط أهل الاختيار:

14 - يشترط الفقهاء لأهل الاختيار أموراً، هي: العدالة بشروطها، والعلم بشروط الإمامة، والرّأي والحكمة والتّدبير.

ويزيد الشّافعيّة شرطاً آخر وهو: أن يكون مجتهداً في أحكام الإمامة إن كان الاختيار من واحدٍ، وأن يكون فيهم مجتهد إن كان أهل الاختيار جماعةً.

ثانياً: ولاية العهد: (الاستخلاف):

15 - وهي: عهد الإمام بالخلافة إلى من يصحّ إليه العهد ليكون إماماً بعده. قال الماورديّ: انعقاد الإمامة بعهد من قبله ممّا انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتّفاق على صحّته، لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما.

أحدهما: أنّ أبا بكرٍ رضي الله عنه عهد بها إلى عمر رضي الله عنه، فأثبت المسلمون إمامته بعهده.

والثّاني: أنّ عمر رضي الله عنه عهد بها إلى أهل الشّورى، فقبلت الجماعة دخولهم فيها، وهم أعيان العصر اعتقاداً لصحّة العهد بها وخرج باقي الصّحابة منها، وقال عليّ للعبّاس رضوان الله عليهما حين عاتبه على الدّخول في الشّورى:" كان أمراً عظيماً في أمور الإسلام لم أر لنفسي الخروج منه ". فصار العهد بها إجماعاً في انعقاد الإمامة، فإذا أراد الإمام أن يعهد بها فعليه أن يجتهد رأيه في الأحقّ بها والأقوم بشروطها، فإذا تعيّن له الاجتهاد في واحدٍ نظر فيه:

فإن لم يكن ولداً ولا والداً جاز أن ينفرد بعقد البيعة له وبتفويض العهد إليه، وإن لم يستشر فيه أحداً من أهل الاختيار، لكن اختلفوا هل يكون ظهور الرّضى منهم شرطاً في انعقاد بيعته أو لا؟ فذهب بعض علماء أهل البصرة إلى أنّ رضى أهل الاختيار لبيعته شرط في لزومها للأمّة، لأنّها حقّ يتعلّق بهم، فلم تلزمهم إلاّ برضى أهل الاختيار منهم، والصّحيح أنّ بيعته منعقدة وأنّ الرّضى بها غير معتبرٍ، لأنّ بيعة عمر رضي الله عنه لم تتوقّف على رضى الصّحابة، ولأنّ الإمام أحقّ بها فكان اختياره فيها أمضى، وقوله فيها أنفذ.

وإن كان وليّ العهد ولداً أو والداً فقد اختلف في جواز انفراده بعقد البيعة له على ثلاثة مذاهب.

أحدهما: لا يجوز أن ينفرد بعقد البيعة لولدٍ ولا لوالدٍ، حتّى يشاور فيه أهل الاختيار فيرونه أهلاً لها، فيصحّ منه حينئذٍ عقد البيعة له، لأنّ ذلك منه تزكية له تجري مجرى الشّهادة، وتقليده على الأمّة يجري مجرى الحكم، وهو لا يجوز أن يشهد لوالدٍ ولا لولدٍ، ولا يحكم لواحدٍ منهما للتّهمة العائدة إليه بما جبل من الميل إليه.

والمذهب الثّاني: يجوز أن يفرد بعقدها لولدٍ، ووالدٍ، لأنّه أمير الأمّة نافذ الأمر لهم وعليهم. فغلب حكم المنصب على حكم النّسب، ولم يجعل للتّهمة طريقاً على أمانته ولا سبيلاً إلى معارضته، وصار فيها كعهده بها إلى غير ولده ووالده، وهل يكون رضى أهل الاختيار بعد صحّة العهد معتبراً في لزومه للأمّة أو لا؟ على ما قدّمناه من الوجهين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير